جوار العرب
قبل عشرة أيام، عقدت صحيفة "الاتحاد" منتداها الخامس، وهو في حد ذاته فرصة لنا كمشاركين في كتابة مقالات بهذه الصحيفة أن نلتقي سنوياً بزملاء معنيين بالثقافة والفكر. وقد جاؤوا من كل حدب ملبين هذه الدعوة الكريمة متحاورين حول شعار المنتدى هذا العام، والذي ركز على العرب ودول الجوار. وبما أن زملائي من كُتّاب هذه الصفحات، يمثلون مدارس فكرية وثقافية مختلفة تتسع للخليط الفكري المتاح اليوم على ساحة الثقافة العربية، وإضافة لذلك فقد مروا في دولهم بتجارب وقضايا مختلفة، فقد كان متوقعاً أن يشهد المنتدى سجالاً فكرياً يقدح العقول كي نصل جميعاً كمثقفين مهتمين بالشأن العام والواقع العربي إلى بر الأمان الفكري بعيداً عن الشتات الجغرافي والمصلحي، الذي يؤرق العرب جميعاً، ولكن بر الأمان فيما يبدو لي طويلاً كي نبحر إليه.
من أولى القضايا المثيرة للجدل في هذا المنتدى كانت قضية من هم العرب أصلاً، لأننا لو قارنا أنفسنا بأوروبا ككتلة لرأينا أنهم بالرغم من اختلاف مصالحهم ومشاربهم هناك قضايا اتفقوا عليها، وغلبت على ما يؤجج فتن الفرقة بينهم كغربيين، نحن كعرب إلى الآن لم ننجح في هذه المسألة.
ففي المحور الأول من المنتدى والذي سُمي بـ"إيران ودول الجوار"، برز قلق تجاه ما يجري في طهران اليوم... هذا القلق مبرر بأن إيران تمكنت من لعب دور في المنطقة العربية، تحت مظلات مختلفة ووجهات متعددة كان من أبرزها قضية دعم أهل فلسطين وثورتهم على المحتل. فعندما تقهقر العرب في دعمهم لهذا النضال كان أمل بعض الفصائل الفلسطينية في إيران حيث وجدوا المال الكثير والدعم الكبير. فمن الملام في هذه الحالة؟ ومما يجعل قضية العرب مع إيران متأزمة اندفاعهم الكبير لامتلاك التقنية النووية، وما ارتبط بهذا الشأن من عقوبات دولية. وبمجرد انتهاء العرض لهذا المحور كانت الرؤوس تدور والأيادي ترفع كي يطرح السؤال نفسه: هل موقف العرب من إيران موحد؟ والجواب كما تعلمون ليس كذلك، فمصالح بعض الدول العربية كانت في مد اليد لإيران رغبة في تأمين خط رجعة في مواجهتهم لما يرونه إمبريالية أميركية.
تركيا من جانب آخر أثارت إعجاب جل من حضر المنتدى، فقد نجح الحزب الحاكم ذو الجذور الإسلامية التي لاينكرها، من خلال الديمقراطية، في الوصول للحكم، ومن ثم تحقيق رؤية اقتصادية متميزة جعلت تركيا اليوم تتفوق على كل الدول العربية وفق المعايير العالمية للنهضة الاقتصادية، فتركيا اليوم جسر حضاري بين المشرق والمغرب، وتعيش حالة متميزة من التقدم الاقتصادي الذي جعلها تنافس شركاء الماضي. ومن جانب آخر لم تنس تركيا في خضم البناء لاقتصادي العالمي قضية العرب الأولى فمشهد "سفن الحرية" ما زال عالقاً في الأذهان، وأول إدانة دولية حقوقية لإسرائيل كانت بفضل هذا الحراك التركي. لكن هل تبحث تركيا عن مصالحها من وراء هذه الأدوار التي تلعبها؟ الجواب بكل تأكيد إيجابي، وهل يلامون على ذلك؟ العاقل يقول: لا بكل تأكيد.
ومضى المنتدى ليعالج علاقة إسرائيل وأفريقيا وأميركا بالعرب، وأترك لكم مساحة كي تتخيلوا النقاش الذي يمكن إثارته.