الصحافة الفرنسية
سجال مستمر حول "التقاعد" في فرنسا... وملامح مرحلة جديدة في أميركا
استمرار السجال حول قانون التقاعد في فرنسا، وردود فعلها على تهديدات "القاعدة"، وتوقع تكاثف مصاعب أوباما بعد انتخابات التجديد النصفي، موضوعات بين أخرى عديدة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية.
فرنسا: تراجع الشارع
سجل العديد من كُتاب افتتاحيات الصحف الفرنسية تراجعاً في زخم تظاهرات الشارع، على خلفية المعركة المفتوحة بين ساركوزي والنقابات حول قانون تعديل نظام التقاعد. في افتتاحية "لامونتان" قال دانيل رويز إن ساركوزي تمكن أخيراً من فرض إرادته بتمرير التشريع المثير للجدل في البرلمان. ومع ذلك سيبقى الجدل مفتوحاً حول جدوى هذا القانون، ومدى قدرته على تحقيق الغايات المرجوة من ورائه. وقد بدا واضحاً أن الإعداد السيئ للحوار حول هذا القانون كان له أثر بالغ في إثارة غليان الشارع الفرنسي. والحال أن هذا الإصلاح المهم لم ينل حقه من الشرح للرأي العام، ولذلك اعتبره كثيرون شكلاً من أشكال الممارسات الليبرالية السلطوية. وفي افتتاحية ثانية كتبها لوران جوفرين لصحيفة ليبراسيون حذر ضمناً من التسرع في الاعتقاد بأن احتقان الشارع قد أدرك نهايته. فمنذ قرابة أسبوعين لم تكن التظاهرات تنتهي إلا لتبدأ مجدداً. وعلى عكس ما تمني الأغلبية الحاكمة الآن النفس بأن المعركة قد حسمت، وأن ثورة الشارع قد انتهت، فإن النقابات وعموم المحتجين الذين اكتسحوا الشارع خلال الأسبوعين الماضيين، ما زال في مقدورهم تجديد التعبئة، في أية لحظة. والحقيقة أن رهان الأغلبية على النهاية المحتومة للتظاهرات هو في الواقع رهان على الوقت لا غير على أمل أن تصدق التمنيات في النهاية. إنه مثل ساعة متوقفة: تشير مرة واحدة فقط في اليوم إلى التوقيت الصحيح، يقول الكاتب. ولكن الأهم في الأمر هو أن رأي الطبقات الشعبية، وهي وقود تظاهرات الشارع، لم يتغير بعد في القانون والإصلاح المرتبط به، حيث ترى الأغلبية الساحقة أن عدم عدالة التشريع الجديد بديهية، بل هي من قبيل تحصيل الحاصل. ومن جانبه قلل باتريك آبل - مولر في افتتاحية صحيفة لومانيتيه من أهمية دعاوى اليمين الحاكم بشأن تراجع زخم التعبئة ضد نظام التقاعد الجديد، مؤكداً أن رفض ساركوزي للحوار بشأنه، وتنكره لسماع صوت الرأي العام، يفرغ الممارسة الديمقراطية من أي معنى، إذ أصبح الرئيس قادراً على فرض إرادته دون نقاش. وأخيراً، في الاتجاه الآخر، جاءت افتتاحية صحيفة لوفيغارو التي اعتبر فيها "بول- هنري ديلمبرت" أن ما جرى في معركة حسم إصلاح نظام التقاعد قد حيّد عمليّاً كل تلك الأدبيات المتعلقة بـ"فرنسا غير القابلة للإصلاح". وقد حان وقت تهدئة بارومتر الاحتقان الاجتماعي. ومن الواضح أن الحكومة ستستمر متمسكة بهذا القانون الذي تعتبره "أم الإصلاحات". وهي محقة في ذلك، فمنذ نهاية الحرب العالمية الثانية لم يقل أحد للفرنسيين إن عليهم العمل لفترات أطول... وإذا كانت ألمانيا، وإنجلترا، وإسبانيا، وإيطاليا، كلها قد أمسكت الثور من قرنيه، فبأية معجزة يمكن لفرنسا أن تستمر في تجاهل هذه الضرورة؟ ومن البديهي طبعاً أن ديناصورات الحزب الاشتراكي يمنون أنفسهم منذ الآن بأن الناخبين سيصوتون بشكل عقابي ضد اليمين الحاكم في رئاسيات 2012، وهذا حلم مفهوم، ولكن لا شيء حتى الآن يرجح تحققه.
تهديدات "القاعدة"
صحيفة لوموند غطت بعض التداعيات وردود الفعل الفرنسية على تسجيل "رسالة إلى الشعب الفرنسي" المنسوب لزعيم "القاعدة" بن لادن، الذي بثته قناة "الجزيرة" يوم الأربعاء الماضي، وهدد فيه فرنسا، داعيّاً إياها للانسحاب من أفغانستان. وركزت لوموند بشكل خاص على دلالة حديث زعيم "القاعدة" عن مسألة حظر النقاب، (الذي تم تمرير قانون منعه تشريعيّاً في 14 سبتمبر الماضي، على أن يسري تطبيقه ابتداءً من ربيع العام المقبل 2011)، واتخاذ هذه المسألة ذريعة لتبرير استهداف جماعات العنف لفرنسا. ثم حديثه عن الرهائن الفرنسيين المختطفين في الساحل الإفريقي (خمسة فرنسيين وتوغولي وملغاشي) من قبل ما يسمى "تنظيم القاعدة في المغرب الإسلامي". وكانت الحكومة الفرنسية أعلنت في وقت سابق استعدادها للتفاوض مع الخاطفين بهدف تحرير هؤلاء الرهائن. وفي رد الفعل نقلت لوموند عن ساركوزي قوله إن بلاده "لن تترك أحداً يملي عليها سياساتها، وخاصة من قبل إرهابيين"، موضحاً فيما يتعلق بالبرقع أو النقاب تحديداً أن هذا القانون تم تمريره في البرلمان الفرنسي بالطرق التشريعية المتبعة. وفيما يتعلق الرهائن قال ساركوزي إنه يعمل ليل نهار لتحريرهم، وإنه ليس في حاجة إلى خطاب بن لادن للشعور بالقلق عليهم. ومن جانبه نفى وزير الدفاع الفرنسي أية صلة بين إعلان البدء في الانسحاب الفرنسي العام المقبل من أفغانستان، والتسجيل المذكور.
مأزق أوباما الوشيك
الكاتب إيف تريار خصص افتتاحية في لوفيغارو لتحليل الأفق الذي يتوقع أن تتكشف عنه انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأميركي، المقررة بعد غد، والتي تشير استطلاعات الرأي إلى أن محازبي أوباما "الديمقراطيين" قد يكونون على موعد مع مفاجآت غير سعيدة خلالها. واعتبر الكاتب أن ظاهرة صعود الحركات الشعبوية خلال الفترة الأخيرة ليس حكراً على القارة الأوروبية، وإنما يشهد الحضور المتعاظم لحركة "حفلات الشاي" اليمينية الأميركية على أن هذا النوع من التيارات الشعبوية موجود أيضاً بقوة على الساحل الآخر من المحيط الأطلسي. وحضور هذه الموجة هناك بشعبية تأثير توقعت استطلاعات الرأي أن تصل إلى 18 في المئة، سيكون له أثر حاسم على معركة التجديد النصفي ليوم 2 نوفمبر. ويتوقع أن يزيد أي تفوق لليمين الأميركي، وعلى رأسه "الجمهوريون"، من مصاعب أوباما خلال النصف الثاني من ولايته الرئاسية الحالية. واعتبر الكاتب أن سيد البيت الأبيض يجد نفسه الآن على مفترق طرق وتحديات. ويتساءل: كيف تحولت النظرة إلى هذا الرجل، الذي كان رمزاً لتجديد أميركا المرهقة من سنوات رئاسة بوش الثماني، ليصبح اليوم محل أخذ ورد؟ وبعدما كان مرشحاً لامعاً للرئاسة، بقي باستمرار في حاجة للبرهنة على كونه رئيساً من الوزن الثقيل. لقد تلاشت فجأة الجاذبية والقدرة على الإقناع التي كان يتمتع بها السيناتور الطموح. ثم أين ذلك المثقف صاحب الرؤى والنظريات (في الاقتصاد) وذو الصدر العامر بالشكوك (في الدبلوماسية)! لقد قفز الآن من مراكبه الموشكة على الغرق بعض أخلص معاونيه، وسيتبعهم بعض أخلص ناخبيه المحبطين، في استحقاق هذا الأسبوع. ومع أنه ليس بالضرورة أن يتجه كل هؤلاء الناخبين الناقمين إلى حركة "حفلة الشاي" إلا أن تزايد شعبيتها أصبح أمراً واقعاً. وهذا يفرض على أوباما الاقتراب من نبض الشارع في بلده مجدداً. وفي افتتاحية أخرى كتبها ديك هوارد في "ويست فرانس" قال إن "الديمقراطيين" يعرفون في دخيلة أنفسهم أن استحقاق 2 نوفمبر لن يكون على ما يرام. فيما "الجمهوريون" يستشعرون إمكانية الاستفادة من شعبية أنصارهم (بما في ذلك حركة حفلات الشاي). وأما شعبية أوباما فقد تأثرت بكثرة ما جرى من مياه تحت الجسور منذ مجيئه إلى البيت الأبيض. فقد انتقل الرجل بسرعة من شعريات خطاب الحملة الانتخابية إلى نثريات العمل الحكومي. واستند بسرعة على لفيف من معاوني كلينتون السابقين لمواجهة تحديات الأزمة المالية العالمية. وقد جرَّت عليه مقايضات تمرير إصلاح نظام الرعاية الصحية انتقادات تيار اليسار في حزبه. وبسرعة ترك التفاؤل مكانه للتشاؤم، ودخلت معدلات شعبية أوباما في حالة سقوط حر. واليوم لم يبق لديه من الأوراق سوى السعي لشيطنة خصومه، بعد أن لم يعد قادراً على الدفاع عن مكاسبه. وفي مقابل أجواء الكآبة والتشاؤم في صفوف "الديمقراطيين" ترتفع الآن النبرة الانتصارية لدى "حفلات الشاي"، التي تبني شعبيتها على عداء مبدئي للسياسة، من حيث هي. وكائنة ما تكن النتائج في الاقتراع بعد غد، فإن الحياة السياسية الأميركية ستدخل قطعاً في مرحلة جديدة.
إعداد: حسن ولد المختار