الاستراتيجية الجديدة لإعداد المعلمين، التي دشّنتها "كليّة الإمارات للتطوير التربوي"، مؤخراً، بالتعاون مع "مجلس أبوظبي للتعليم"، تعكس بوضوح الاهتمام الذي توليه الدولة لتطوير المعلم والارتقاء بقدراته باعتباره من أكثر الأطراف المهمّة في نجاح العملية التعليمية، وتطويرها لكي تستجيب لروح العصر والأخذ بمتطلباته. وهذه الاستراتيجية تستمدّ أهميّتها ليس من كونها تستهدف إيجاد قاعدة متطوّرة من المعلمين المؤهلين وفق معايير عالمية تواكب العصر وتلبّي احتياجات البرامج التنفيذية المطروحة في أجندة السياسة العامة لتطوير التعليم في إمارة أبوظبي فقط، وإنما أيضاً لأنها تأخذ في الاعتبار أحدث الأساليب العلميّة والتقنيّة في التدريس من خلال برامج وخطط دراسية تكسب المعلمين مهارات العصر وتعزّز من قدرتهم في التفاعل مع الطالب والبيئة المحيطة. إن توجّه أبوظبي والإمارات بوجه عام نحو الاهتمام بالمعلم وإعداده بشكل عصري يتوافق مع أحدث المعايير العالمية يتأسّس على جملة من الاعتبارات المهمّة: أولها، أن المعلم يشكّل أحد أهم عناصر العملية التعليمية والتربوية، ومن ثم فإن إعداده بشكل جيد يسهم في الارتقاء بالعملية التعليمية وتطويرها وتحقيقها لأهدافها المختلفة، كما أن وجود المعلم الكفء والمعدّ بشكل جيد يشكّل مدخلاً مهمّاً في الارتقاء بمخرجات العملية التعليمية، بحيث تكون قادرة على الاستجابة لمتطلّبات سوق العمل، لأن دور المعلم في هذه الحالة لا يقتصر على القيام بالدور التقليدي في شرح الدروس وحسب، وإنما في توجيه الطلبة للمجالات والتخصّصات التي تتناسب مع قدراتهم أيضاً. ثانيها، وجود قصور واضح في برامج التدريب والتطوير التي يتلقّاها المعلمون في مدارس الدولة، خاصة المدارس الخاصة، التي لا تهتم كثيراً بقضية تأهيل المعلمين الذين ينتسبون إليها، وهو الأمر الذي يؤثر بالسلب في نوعية العملية التعليمية وجودتها في هذه المدارس، ومن ثم فإن إيجاد برامج ودورات متخصّصة في تأهيل المعلمين وإعدادهم بالشكل الذي توفّره "كليّة الإمارات للتطوير التربوي" يمكن أن يسهم في معالجة هذا القصور مستقبلاً، خاصة أن الكليّة تفتح أبوابها للمواطنين والمقيمين على حدّ سواء. ثالثها، توجّه الدولة نحو توطين مهنة التدريس بعد أن كشفت الإحصاءات عن تدنّي نسبة المواطنين العاملين في مجال التدريس، حيث لا يشكّل عدد المعلمين المواطنين في الدولة أكثر من 11 في المئة من إجمالي المعلمين الذكور، وهي نسبة لا تتناسب مع الجهود التي يتم بذلها على أكثر من مستوى من أجل دفع الكوادر المواطنة إلى الإقبال على هذه المهنة المهمّة والحيوية، والمأمول أن تسهم هذه الاستراتيجية والجهود الأخرى التي تبذلها وزارة التربية في تشجيع المواطنين على الانخراط في سلك التدريس. إن تجارب كثير من الدول المتقدّمة تشير بوضوح إلى أن السرّ الذي يقف وراء نهضتها التعليمية لا يعود إلى تميّز في البنى التحتية المدرسية، أو التطوّر في المناهج التعليمية، ولا إلى تطوّر أنظمة الاختبار والتقويم العلمي فقط، ولكنه يعود أيضاً إلى التركيز الهائل على إعداد المعلمين وتأهيلهم بشكل متواصل، وهذا ما تدركه الدولة وقيادتنا الرشيدة التي لا تألو جهداً في سبيل النهوض بمكانة المعلمين وتوفير المناخ المناسب الذي يكفل لهم العمل والإبداع، بحيث تكون هناك بيئة تعليمية وأكاديمية تواكب ما هو حادث من تطوّر جذري في مختلفة مجالات العملية التنموية في الدولة، ودفعها إلى آفاق أرحب وأوسع.