أميركا وصراعات القرن الإفريقي
تعد منطقة القرن الإفريقي إحدى أكثر مناطق القارة السمراء معاناة من الصراعات والنزاعات داخل الدول وفيما بينها. وقد تنامت اضطراباتها عقب نهاية الحرب الباردة، ودخول قوى دولية جديدة إليها، واكتشاف النفط في بعض أنحائها. وعلى رأس القوى الدولية الولايات المتحدة الأميركية التي اعتبرت القرن الإفريقي مجالاً محورياً في سياساتها المناهضة للإرهاب.
وفي كتابه الذي نعرضه هنا، "السياسة الأميركية تجاه صراعات القرن الإفريقي ما بعد الحرب الباردة"، يحاول خبير الشؤون الإفريقية سامي السيد أحمد، رصد وتحليل وتقييم السياسة الأميركية تجاه منطقة القرن الإفريقي وصراعاتها منذ عام 1991.
ويتألف الكتاب من مقدمة وتمهيد وخمسة فصول تتناول الصراعات الداخلية والدولية في منطقة القرن الإفريقي، ومحددات الدور الأميركي في هذه المنطقة، والمبادرات الأميركية تجاهها، وأنماط الاستجابات الأميركية لتلك الصراعات. إضافة إلى فصل سادس يدرس استجابة الولايات المتحدة لحالتين؛ هما الصراع الإثيوبي الأريتيري، والحرب الأهلية في السودان.
ويحدد الكتاب الأنماط المختلفة لصراعات منطقة القرن الإفريقي، مقسماً إياها إلى نوعين رئيسيين: صراعات داخلية وأخرى دولية، ويركز في دراسته للنمط الأول على الصراع في كل من رواندا وبوروندي وإثيوبيا والصومال والسودان وأوغندا. أما فيما يخص النمط الثاني فيتناول الصراع الإثيوبي الأريتيري، والصراع بين السودان وبعض جيرانه، والصراع الجيبوتي الأريتيري، والصراع حول الموارد الطبيعية.
أما محددات الدور الأميركي في صراعات القرن الإفريقي فيقسمها إلى نوعين: أولهما المحددات النابعة من البيئة الداخلية للولايات المتحدة؛ وتتمثل في المصالح الأمنية التي تنامى دورها بعد أحداث 11 سبتمبر 2001، والمصالح الاقتصادية الأميركية في المنطقة، علاوة على التأثيرات التي تمارسها جماعات الضغط داخل الولايات المتحدة. أما النوع الثاني فهو المحددات الإقليمية والدولية، وتشمل تلك النابعة من البيئة الإقليمية متمثلة في قيام شبكة من المنظمات والتجمعات الإقليمية الفرعية داخل المنطقة، والتي أصبحت ذات دور سياسي جعلها تحظى باهتمام دولي. هذا إضافة إلى المحددات الدولية وعلى رأسها تغير النظام الدولي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، وتعدد المنافسين داخل منطقة القرن الإفريقي.
وفي معرض دراسته الاستجابات الأميركية لصراعات القرن الإفريقي خلال الفترة محل الدراسة، يتناول الكتاب أيضاً أهم المبادرات الأميركية للتعامل مع الأوضاع السائدة على مستوى المنطقة ككل، وفي هذا الإطار يعرض ويحلل "مبادرة القرن الإفريقي الكبير" التي طرحتها الولايات المتحدة في عهد بيل كلينتون والمبادرات الأخرى ذات الصلة، سواء في عهد كلينتون نفسه أم خلال ولايتي بوش الابن.
أما فيما يخص أنماط الاستجابة الأميركية لصراعات القرن الإفريقي، فإن الكتاب يركز على أربعة أنماط لهذه الاستجابة، وهي: نمط اللامبالاة والامتناع عن التدخل (رواندا وبوروندي)، ونمط مساندة أحد الأطراف على حساب الطرف الآخر (الصراع الداخلي في كل من أثيوبيا وأوغندا)، ونمط التدخل القسري (صراع السودان مع إثيوبيا وأريتيريا وأوغندا)، وأخيراً نمط التدخل العسكري (الصومال).
وفي هذا الإطار يدرس الكتاب حالتي الاستجابة الأميركية للصراع الإثيوبي الأريتيري، وللصراع الداخلي في السودان، وذلك من منطلق أن الصراع الأول يعد نموذجاً للصراعات الدولية التي شهدتها المنطقة، فيما يمثل الثاني نموذجاً لصراعاتها الداخلية وحروبها الأهلية.
ومما يخلص إليه الكتاب أن جوهر الصراع وسببه الرئيسي يكاد يكون واحداً، وهو الرغبة في السيطرة على السلطة والثروة والخلاص من التهميش السياسي والاقتصادي. لكن يتقاطع ذلك السبب الأساسي مع التباينات العرقية والدينية واللغوية، فإن الصراع يتكثف إلى أن يصل أحياناً درجة الإبادة الجماعية كما حدث في رواندا وبوروندي في عام 1994.
وكما يلاحظ المؤلف، فإن أوضاع عدم الاستقرار السياسي داخل منطقة القرن الإفريقي، عرضت المصالح الأميركية لتهديدات مختلفة، كما أن اكتشاف النفط في المنطقة أضفى عليها مزيداً من الاهتمام الأميركي.
وعلى ضوء ذلك يتوقع المؤلف استمرار حالة عدم الاستقرار في القرن الإفريقي لفترة زمنية مقبلة يصعب التنبؤ بمداها، خاصة مع غياب تسويات سلمية لكثير من صراعات المنطقة، وفي ظل عدم التزام أطراف الصراعات بتنفيذ بنود التسويات. ومن المحتمل أن تشهد بعض هذه الصراعات موجات تصعيد جديدة، بالتساوق مع الدور الأميركي أو ضداً له!
محمد ولد المنى
الكتاب: السياسة الأميركية تجاه صراعات القرن الإفريقي ما بعد الحرب الباردة
المؤلف: سامي السيد أحمد
الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية
تاريخ النشر: 2010