في كتابه "عائلة الحرية... الرؤساء والأميركيون من أصل إفريقي في البيت الأبيض"، يتناول "كينث تي. وولش"، المراسل الصحفي المخضرم في البيت الأبيض، التاريخ المعقد للعلاقة بين الأميركيين من أصل إفريقي والبيت الأبيض، كوسيلة لفهم مغزى تلك اللحظة الفارقة في التاريخ الأميركي، في العشرين من يناير 2009، عندما وقف نحو مليون أميركي لمشاهدة مراسم تنصيب أوباما كأول رئيس أميركي أسود. والكتاب مرتب زمنياً حول سلسلة متوالية من الإدارات الأميركية، والسياسات العنصرية التي اتبعتها تجاه ذوي الأصول الإفريقية، وموقف كل رئيس من هذه القضية التي ظلت تؤرق ضمير قطاع كبير من المجتمع، مع تقديم وصف دقيق لطبيعة العلاقة بين عائلات الرؤساء الأميركيين المتعاقبين وبين السود الذين يديرون شؤون الحياة اليومية في البيت الأبيض. والمؤلف يعتمد في كتابه على المذكرات الشخصية لهؤلاء الرجال والنساء السود كنافذة ينظر منها على أدق تفاصيل البيت الأبيض: السلوك الشخصي، وتصرفات الرؤساء وزوجاتهم وأبنائهم، في كافة المناسبات والمواقف، كما يعتمد على آراء وتعليقات للرؤساء الأميركيين المتعاقبين تصف طبيعة علاقتهم بالعاملين السود، وهي آراء وتعليقات يكشف فيها هؤلاء الرؤساء عن مشاعرهم الإنسانية التي كانوا يكنونها لأولئك العاملين، ومجاملتهم لهم في المناسبات الاجتماعية المختلفة. وهذه الآراء والتعليقات، رغم أنها لا تشغل حيزاً كبيراً في الكتاب، فإنها تفيد في الكشف عن دخائل شخصيات هؤلاء الرؤساء، ورقي المشاعر الإنسانية لبعضهم، كما تقدم صورة لبعضهم تختلف عن الصورة التي عرفوا بها في مجال السياسة. ومن تلك التعليقات ما قاله جونسون في نهاية ولايته عندما وصف"بريستون بروس" الذي عمل في خدمة خمسة رؤساء أميركيين متعاقبين في البيت الأبيض، بأنه "واحد من أفضل الأصدقاء الذين قابلهم في حياته". ويشير الكاتب في هذا السياق إلى ما قاله له بوش وزوجته لورا عندما أجرى لقاءً معهما في نهاية ولاية بوش الثانية من أنهما "كانا يشعران بأنهما قريبان جداً" من العاملين السود في البيت الأبيض، وأنهما كانا يشعران أحياناً كما لو كان هؤلاء العاملون "من أفراد عائلتهما". ويقدم "وولش" إطلالة على الطريقة التي ساهمت من خلالها سياسات كل رئيس أميركي وتصرفات وأفعال الشخصيات الأميركية من أصل إفريقي، في تشكيل ما يطلق عليه المؤلف" قوس التاريخ العنصري"، ذلك القوس الذي وصل إلى أقصى نقطة فيه بانتخاب أوباما كأول رئيس أسود للبيت الأبيض. ويبرز المؤلف الآثار التراكمية لقرنين كاملين من العبودية وسياسات الفصل العنصري، تلك الآثار التي تبدت بوضوح في السياسات المهلهلة، والذكريات التاريخية المشوهة، والانقسامات العنصرية، وغياب العدالة في المجتمع الأميركي. وينهي هذا الجزء من كتابه بالقول إن أوباما، مثله في ذلك مثل كافة الرؤساء الذين سبقوه يواجه، فيما يتعلق بالمسألة العرقية، حقائق عنيدة، وقيوداً صارمة، ولابد أن يدرك أن الولايات المتحدة سوف تحتاج وقتاً طويلاً للتخلص من آثار قرون من العبودية والسياسات العنصرية، وأن عليه أن يتعامل مع هذه الحقائق، ويسعى لتغيير ما يمكن تغييره منها. ويقول المؤلف إن أوباما مطالب بإظهار قدراته القيادية في العمل من أجل تحقيق مجتمع عادل والاستمرار في ذلك طيلة وجوده داخل البيت الأبيض، كما يقول إن ذلك الكفاح من أجل الأهداف النبيلة، يعتمد أيضاً على الجهود الخلاقة والمخلصة للاستراتيجيين السياسيين البارعين، وعلى الحركات المنظمة التي تقدم مطالب عادلة في مجال تحقيق المساواة الكاملة داخل المجتمع الأميركي، لا يمكن لأحد إنكارها أو تجاهلها. وينهي المؤلف كتابه بالقول إن مفهوم "للبيض فقط"، الذي كان يستخدم للإشارة إلى أن أبواب البيت الأبيض مفتوحة أمام الأميركيين البيض ومغلقة أمام السود، قد تداعى بفوز أوباما. لكن ذلك الانهيار استلزم كفاحاً استغرق قرنين من الزمان، كما استلزم تضحيات جسيمة قدمتها أجيال متعاقبة من الأميركيين من أصول إفريقية، وهو تداع يثبت للأمة الأميركية، وللعالم كله، أن الكفاح من أجل المساواة والاندماج والحرية قد قطع مسافة كبيرة على الطريق الطويل الذي سارت عليه من قبل أجيال متعاقبة. سعيد كامل الكتاب: عائلة الحرية... الرؤساء والأميركيون من أصل إفريقي في البيت الأبيض المؤلف: كينيث تي. وولش الناشر: باراديجم تاريخ النشر: 2011