من طقوس احتفالات "شمّ النسيم" في بعض أنحاء مصر حرق دمية من قش تمثّل اللورد إدموند اللنبي. ويخطط بعض الأهالي للاحتفال هذا العام بحرق دمية تمثّل مبارك. ويمكن النظر إلى حرق دمية رئيس مصر السابق، وعرض صورته وهو بملابس السجن، كما طالب أحد المستشارين، نوعاً من التشفي والانتقام غير اللائقين بأبناء ثورة انتزعت إعجاب العالم حتى قيل إن مصرياً قدم جواز سفره لضابط الجوازات في مطار هيثرو، فرفع الضابط الجواز عالياً وصاح: هنا واحد مصري، فدوت عاصفة من التصفيق بين الموظفين والمسافرين وهتفوا لمصر. لكن التشفي والانتقام شيء ومحاكمة رموز النظام السابق أمام محاكم مدنية، وبإجراءات قانونية سليمة، على الجرائم المنسوبة إليهم بحق المصريين، شيء آخر تماماً، وليس كما يذهب أحد الكتّاب يرى أن محاكمة النظام السابق سلوك انقلابي ولا علاقة له بالقانون، فليس من الضروري "إلحاق الإهانة برئيس مصر، وليس عدلاً ولا شهامة أن هذا الرجل الذي كانت تقف له مصر، عن قناعة أو عن مهابة، لم يعد يلقى اليوم سوى من يريد أن يرجمه". لكن، ألم يكن من الأولى أن يعترف هو بالخطأ ويبدي شيئاً من الندم ويذرف قطرات من الدموع لربما يكفّ الناس عنه ويقولوا: عفا الله عما سلف، بدلاً من أن يُبرئ نفسه وأفراد أسرته من ادعاءات التربّح واستغلال السلطة، مهدداً برفع قضايا ضد مَن يشهرون به وبأسرته، وهو خطاب استفزّ المصريين وعجّل في تقديمه للمحاكمة، حيث كاد يقول بلسانه: خذوني؟ ألم يكن خليقاً به أن يرد الجميل لشعبه الذي خلعه من الحكم، دون أن يريق الثوار قطرة دم واحدة، ولم يسمحوا أن تطاله وأركان نظامه أيدي الملايين الغاضبة لتعاملهم بشكل قاس كما يحدث عادة في الثورات؟ ويرى آخر أن هذه المحاكمة ستطيل أمد عدم الاستقرار وستقلب صورة التغيير السلمي إلى شماتة وتصفية حسابات، وأن الأفضل هو بناء نظام سياسي مؤسساتي، وأن جرّ الناس إلى تفاصيل الماضي يفقد النظر إلى المستقبل. لكن كيف يمكن البدء في صفحة جديدة ولا تزال في الصفحة السابقة دماء لم تجف، وآلام لم تسكن، وأموال لم ترد، وحقوق معلقة لا يعرف أصحابها كيف يستعيدونها؟ وكيف يمكن للمصريين أن يبنوا نظاماً مؤسساتياً وهم يغضون الطرف عن جرائم النظام السابق، فأين الالتزام بالدستور؟ وأين احترام القانون؟ وأين الانصياع لحكم القضاء؟ كما أن طي الصفحة لن يؤدي إلى الاستقرار، بل ستظل هذه الصفحة مفتوحة تلطّخ كل الصفحات اللاحقة، وستكبر الشبهات والشائعات وتتعثر كل محاولة للبدء من جديد. كما نادى بعضهم بظهور شخصية مثل نيلسون مانديلا "الذي عَبر بجنوب إفريقيا من زنقة الانتقام والانتقام المضاد، إلى دولة متعافية وطبيعية، في الحد الأدنى، بين البيض والسود". وهذا كلام فيه مغالطة وقياس مع الفارق، ذلك أن مانديلا كان يناضل ضد أفكار عنصرية وضلالات بتفوّق العِرق الأبيض على الأسود، وكان من الضروري أن يثبت لأولئك العنصريين تفوقه عليهم بأخلاقه وتعاليه وتجاوزه عنهم، وكان يحارب الفكرة بالفكرة والضلال بالرشاد، بينما يواجه مبارك وأركان نظامه تهماً جنائية، كالقتل واستغلال السلطة وتضخم الثروة وإهدار المال العام، كما يُلاحظ أن "كليرك"، آخر رئيس أبيض لجنوب أفريقيا، أبدى اعتذاره وندمه عن سنوات الفصل العنصري، بينما الفريق الذي يطالب هؤلاء بعدم محاكمته لم يعتذر حتى الآن بكلمة واحدة.