قبل ما يزيد عن أسبوعين انقسم أكبر بلد في القارة الإفريقية إلى بلدين. ومع ذلك فما يزال العنف متواصلا بينهما، الأمر الذي دعا وزيرة الخارجية الأميركية كلينتون إلى مطالبتهما معاً بـ"العودة سريعاً إلى طاولة المفاوضات". و"مضاعفة" الانخراط الأميركي في الشأن السوداني، يمكن أن تمنح زخماً جديداً للمحادثات المتوقفة بين الجانبين، كما يمكن أن توفر في الآن ذاته فرصة للأميركيين والسودانيين والشركاء الدوليين من أجل إعادة التفكير فيمن يتم الترحيب بهم مجدداً على طاولة المفاوضات. ولسنوات عديدة سعدت بالعمل مع نساء سودانيات من مختلف المناطق والقبائل والانتماءات العرقية والسياسية وغيرها من التصنيفات، من أجل وضع نهاية للعنف الدائر منذ عقود في البلاد. فخلال سنوات الحرب بين الشمال والجنوب، اعتدت أن أرى النساء السودانيات وهن مجتمعات تحت ظل شجرة من أجل حل النزاعات، وتنظيم المجتمعات المحلية، وإحلال السلام والوئام. وفي الوقت الراهن، عندما تطالب هؤلاء النساء بمكان رسمي على طاولة الحوار، فلكي يساهمن في تقرير مستقبل الدولتين. لكن خلال مطالباتهن بذلك المكان، كثيراً ما يُخبرنَ بأن التقدم طفيف للغاية للدرجة التي لا يحتاج الأمر معها لمشاركة مزيد من الأعضاء أو العضوات على طاولة المفاوضات. بيد أن جولة المفاوضات الجديدة المزمع عقدها بين الدولتين، توفر فرصة للاعتراف بما دأبت هؤلاء النسوة على قوله لسنوات، وهو أن إقصاءهن من الطاولة يعد من أسباب عدم الاستقرار، وليس علاجاً له. ومن المعروف أن اتفاقية السلام التي أنهت الحرب الأهلية التي استمرت عقوداً بين الشمال والجنوب، قد تضمنت بنوداً تتطلب ضرورة اتخاذ قرارات بشأن مسائل الحدود، والمواطنة، وتقسيم الثروات، وغيرها من المواضيع الرئيسية، قبل أن يتم الانفصال بين شطري البلاد. لكن ما حدث هو أن الكثير من الموضوعات قد بقيت من دون حل. ومما زاد الطين بلة أن قتالاً دموياً اندلع بين الطرفين في الآونة الأخيرة في المناطق الحدودية الفاصلة بينهما، مما أدى إلى فرار 73 ألفاً من السكان من أماكنهم هرباً من نيران المعارك في ولاية جنوب كردفان وحدها، حسب مصادر الأمم المتحدة. والشيء اللافت أنه توجد هناك نساء قويات على مستوى عال من الثقة والاحترام في جانبي الخلاف معاً، ومع ذلك فإنه عندما قام كل طرف بتسليم قائمة بأعضاء وفده الذين سيشاركون في المفاوضات، فإن تينك القائمتين لم تتضمن اسم امرأة واحدة، على الرغم من أن البيانات المتوافرة تفيد بأن لدى كل طرف خمس نساء (من بين خمسين مفاوض) على الأقل يصلحن للمشاركة في اللقاءات التفاوضية. ونظراً لأنهن يرفضن الاستبعاد، فإن النساء السودانيات (جنوباً وشمالاً) اضطررن إلى تجاوز الحدود التقليدية لتنظيم أنفسهن. ففي مدينة جوبا الجنوبية، في شهر فبراير الماضي، تجمعت ما يقرب من 100 امرأة من مختلف أجزاء البلاد، لحل بعض من أكثر المسائل إثارة للخلاف والجدل في سياق المفاوضات بين الطرفين، بما في ذلك الموضوع الحساس الخاص بالمواطنة. وأكدت هؤلاء النسوة على نقطة مهمة للغاية في هذا السياق، وهي أن هناك عائلات عديدة في السودان يكون فيها أحد الزوجين من الشمال والآخر من الجنوب. وتحدثن كيف أن الالتزامات العائلية، مثل حفلات الزواج والجنازات، والخلافات القبلية... تتطلب من الزوجة السفر عبر الحدود لزيارة قريتها الأم. وقالت هؤلاء النسوة إنهن إذا بتن غير قادرات على السفر عبر الحدود، فإن نسيج الأسر والمجتمعات سوف يتفكك، ومن ثم فقد طالبن بناء على ذلك قيادات الحزبين الحاكمين (المؤتمر الوطني والحركة الشعبية) بضرورة العمل على السماح بازدواج الجنسية للرجال والنساء. وبالنسبة لموضوع النفط، ما زال المفاوضون يكافحون من أجل إيجاد حل للخلافات الناشبة حوله. فمن المعروف أن معظم احتياطيات النفط موجودة في جنوب السودان، في حين أن معظم مصافيه، وخطوط إمداده، وموانئ تصديره... تقع في الشمال. وتدرك هؤلاء النساء أن المجتمعات التي ستتأثر تأثراً عميقاً بعمليات الحفر من أجل الحصول على النفط وتصديره، يجب أن يتم إدماجها في عملية القرارات التي تؤثر على واقع تلك المجتمعات ومستقبلها، وطالبن بأن يكون لهذه المجتمعات كلمة في هذا الموضوع. وحددت هؤلاء النسوة الطرق التي يمكن أن تحدد وفقاً لها تلك مجتمعات الكيفية والمكان اللذين سيتم وفقهما بناء طرق لنقل النفط وتركيب معدات الحفر بحيث يتم تخفيف التأثير الناتج عن تلك الأنشطة على النظام البيئي المحلي إلى أدنى حد ممكن. وبعد انفصال الجنوب واستقلال دولته الجديدة، أصبحت مسألة إشراك النساء في اتخاذ القرارات التي تتم على مستوى عال، تمثل أولوية مهمة. فكلتا الدولتين تكتبان دستوراً جديداً الآن، وتقومان بإصلاح القوانين، وتعيدان تصميم نظام الانتخابات... وهي كلها تحديات يمكن للنساء السودانيات مواجهتها لحسن الحظ. بالإضافة لذلك تكافح النساء السودانيات من أجل الحفاظ على المكاسب التي تحققت لهن من خلال نضالهن الطويل، ومن بينها القوانين التي تشترط أن تضم المجالس التشريعية على المستوى الولائي أو الفيدرالي 25 في المئة على الأقل من مقاعدها للنساء. كما تبذل النساء السودانيات قصارى جهدهن من أجل ضمان عدم قيام الدولتين بتكرار أخطاء الماضي. فهن يطلبن أن تتضمن الوثائق التأسيسية، كالدستور على سبيل المثال، كافة الأمور المتعلقة بالتنوع الديني والعرقي والعشائري وغيرها من أصناف التنوع. وهن يردن، في نهاية المطاف، تجنب ممارسات التهميش التي ساعدت على اشتعال الحرب في بادئ الأمر. وفي مناخ لا يجرؤ فيه أحد، سواء أكان سودانياً أو غير سوداني، على مقاربة الموضوع، فإن عدداً من النساء قد طالبن فعلا باتخاذ إجراءات مشتركة للمصالحة ومعالجة جروح الماضي. وهن يؤكدن على أن كسر دائرة العنف الشريرة، سوف يضمن أن تبقى العلاقات غير مجمدة في نفس الوضع الذي تجمدت عنده حين انتهت الحرب. والنساء يردن من الدولتين على حد سواء الانخراط في أنشطة فعالة من أجل كشف الحقيقية، والقبول بالمساءلة، وإبداء الندم، والتعهد بعدم الإساءة إلى أي أحد من الطرف الآخر مرة ثانية أو إهانته. إنهن يردن أن يحدث ذلك بين الدولتين وداخلهما في نفس الوقت... كما يردن من قادتهن أن يعترفا بأنه لن يكون بين دولتيهما استقرار حقيقي من دون تحقيق ذلك. ولاشك في هذا السياق أن "برينستون ليمان"، المبعوث الخاص لوزيرة الخارجية الأميركية كلينتون لشؤون السودان، وغيره من المسؤولين في الإدارة الأميركية، يدركون جيداً أن إنهاء الصراع الحالي والحيلولة دون اندلاع المزيد من الصراعات في المستقبل، يتطلب مشاركة النساء على طاولة المفاوضات، وقاموا فعلا بمطالبة الدولتين باتخاذ خطوات حاسمة من أجل تعزيز التقدم. إن العودة إلى المحادثات مع وجود عدد أكبر من النساء في المستويات العليا، هو وحده الكفيل بتحقيق ذلك الشيء تحديداً. جاكلين أونيل ___________________________________ مديرة معهد "الأمن الإدماجي" وعضوة سابقة بالبعثة الأممية في السودان ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور" ----------------------------