ظلّت دولة الإمارات طوال العقود الماضية مهتمّة بالبيئة اهتماماً خاصاً، ووضعت تحقيق التوازن بين اعتبارات النمو والتنمية الاقتصادية واعتبارات حماية البيئة والموارد الطبيعية كأحد المبادئ الأساسية لعملها الاقتصادي وبرامجها التنمويّة، فهي من ناحية تسعى إلى إدراك النمو الاقتصادي الذي يضعها في مصافّ الدول المتقدمة ويوفّر الحياة الكريمة للأجيال الحالية من ناحية، وفي الوقت نفسه تراعي ألا يكون نموّها الاقتصادي على حساب المقدّرات البيئية، فلا يؤدي إلى الإضرار بالتوازن البيئي من خلال ما ينتجه من ملوّثات ولا يؤدّي إلى الاستخدام الجائر للموارد البيئية بما يحفظ للأجيال القادمة حقّها في التمتّع بالعيش في بيئة صحيّة وآمنة، والحصول على نصيبها من الموارد دون نقصان. إن دولة الإمارات تتعامل مع قضايا حماية البيئة باعتبارها ليست ترفاً فكرياً وإنما هي واجب وطني يشارك الجميع في الوفاء به، ومن هذا المنطلق تجيء مبادرة "المدارس الخضراء"، التي ينفّذها "مجلس أبوظبي للتعليم" بالتعاون مع "شركة مساندة"، وتقوم المبادرة على إنشاء عدد من المدارس التي تواكب التطوّرات التكنولوجية العالمية الحديثة في مجال حماية البيئة، ورغم أن كل واحدة من هذه المدارس تمثّل مجمّعاً تعليمياً متكاملاً يستوعب ما يتراوح بين 800 و1200 من الطلاب، ما يعني أنها مدارس كبيرة الحجم، فإن تأسيسها من البداية ضمن لها تحقيق هذا التوازن المنشود، بين توفير الخدمات التعليمية المتكاملة باستخدام التطبيقات والوسائل التعليمية الحديثة، وفي الوقت نفسه تراعي أن تظل البصمة البيئية للمرافق التعليمية عند أفضل مستوى ممكن. إن مبادرة "المدارس الخضراء" بما تختص به من خصائص بيئية مستدامة وبكونها تنفذ في المدارس التي تمثّل المكان الذي توضع فيه اللبنات الأولى لشخصية الإنسان، فهي تقضي بتنشئة أجيال المستقبل المتمثّلين في الأطفال والشباب في المجتمع الإماراتي على الاستخدام الرشيد للموارد الطبيعية وعلى حماية البيئة من التلوّث، في الوقت نفسه تقضي هذه المبادرة بتمكين هذه الأجيال من اكتساب المهارات والخبرات التي تؤهلهم للانخراط في مجتمع المعرفة، وبهذه الطريقة فإن مبادرة "المدارس الخضراء" تمثّل واحدة من الأدوات والآليات الفعالة في بناء مجتمع متكامل قادر على إدراك أهداف التنمية المستدامة، والمشاركة فيها بكل فعالية، والوقوف جميعاً، بداية من الأطفال مروراً بالشباب وصولاً إلى الرجال والسيدات وكبار السن، في صفّ واحد وراء هدف واحد. إن مبادرة "المدارس الخضراء" تعدّ بوتقة لتحويل حماية البيئة من مفهوم متداول في دوائر وحلقات ضيقة في المجتمع الإماراتي وفي مؤسسات محددة إلى أسلوب حياة ينخرط فيه الفرد العادي، الذي سيكون أكثر وعياً وإحساساً بقيمة الموارد والخدمات التي يستخدمها في حياته اليومية، وهو الأسلوب الذي سينقل إلى المؤسسات، سواء الحكومية أو الخاصة، ليندرج ضمن مبادئ وأساسيات العمل داخل هذه المؤسسات أيضاً، وباندماج الأفراد وتطبيق المؤسسات هذه المبادئ البيئية يتحوّل المجتمع بأثره إلى مجتمع أخضر ومتطوّر يراعي شروط حماية البيئة وتوازنها ويفي بمقتضيات التطوّر والتنمية الاقتصادية، بما لا يترك مجالاً لأن يطغى جانب منهم على الآخر، وعند ذلك التاريخ سيكون المجتمع الإماراتي قد تحوّل إلى مجتمع مستقبلي، يعيش في الحاضر ويستخدم أدوات المستقبل ويوفّر لسكانه أفضل سبل العيش. ــــــــــــــــــــــــــــــــــ عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.