البحرين مجدداً: لا فرار من الحوار
الأحكام التي أصدرتها محكمة عسكرية بحرينية قبل أيام على أطباء وطواقم طبية كانت قاسية وغير مستساغة، وسببت للبحرين حرجاً في الأوساط الدولية لا تحتاجها. لم يكن هذا رأيي ورأي مراقبين كثر وحسب، بل حتى القيادة البحرينية رأت بحكمة ضرورة إعادة محاكمة الأطباء أمام محكمة مدنية تطبيقاً لما جاء في خطاب ملك البحرين الشيخ حمد بن عيسى آل خليفة في أغسطس الماضي.
كان الملك حمد بن عيسى قد أعلن عن تقديم متهمي أحداث الربيع الماضي بالبحرين إلى محاكم مدنية، وأمر بتشكيل لجنة تحقيق من شخصيات عالمية حول حقيقة الانتهاكات التي تعرضت لها قوى سياسية ومعارضة مختلفة. وهو موقف يعيد الأمور إلى مسارها، ويهيئ الأجواء للدفع بعجلة حوار على أسس جديدة، ويمهد الطريق لتبرير العودة لطاولة الحوار لكافة القوى التي تنشد الإصلاح، وتطالب بالتغيير نحو تعزيز الديمقراطية وحقوق الإنسان في البحرين.
يتفق كافة محبي البحرين وأهلها، وكل من يتمنى عودة الاستقرار والتعايش بين طائفتيه الرئيسيتين -السنة والشيعة- على أن الحوار هو السبيل الوحيد للخروج بهذا البلد العزيز من مأزق الانشقاق ومن نفق الطائفية التي نجحت أطراف سلطوية ومعارضة في تأجيجها لأهداف وأغراض لا مصلحة للبحرين وأهلها فيها.
إن الحوار والدعوة له، ليس ترفاً فكريّاً، وليس هدفاً بحد ذاته، ولكنه الطريق الصحيح والضمان الوحيد للخروج بكافة الأطراف من أتون الطائفية، ولملمة الصفوف، ورأب الصدع البغيض، ورتق الشق الذي نتج عن أحداث الربيع الماضي.
دعونا نسمي الأشياء بأسمائها: لقد نجح الطائفيون من الجانبين في إحداث شرخ عميق بين الشيعة والسنة، وعززوا وهماً بأن من يعارضون الحكومة هم الشيعة حصراً، وأن من يساند النظام هم السنة وحدهم. فهذه هي حقيقة الانطباع العام للمشهد السياسي بالبحرين دون مواربة، فمطالب الشعب البحريني المشروعة التي انطلقت سلميّاً في الربيع الماضي اختطفها فريقان تضامنا دون إعلان، وتعاهدا دون اتفاق على الانحراف بالمطالب المشروعة، والطرق السلمية: فريق في السلطة ألهب السنة ضد الشيعة، وفريق شيعي رفع شعارات "خارجية" أخافت الشيعة قبل السنة، وطالبت بإسقاط النظام وقيام "جمهورية إسلامية"، فكان وقعها على السنة مدويّاً ومخيفاً. وأوصل الفريقان الأمور إلى نقطة الصدام، وكان ما كان من أحداث دامية ومؤسفة.
فريق في السلطة يظن خطأ أنه انتصر، وفريق في المعارضة يظن "خارجيّاً" أنه أحدث الهوة المطلوبة التي يمكن أن تعزز التدخل الخارجي وتبرر مزيداً من التدخلات الخارجية. ولكن واقع الحال يقول إن البحرين كلها خسرت من هذه المواجهة، وهي تتعرض للخسارة يوميّاً في حالتها الاقتصادية وسمعتها السياسية وسجلها الديمقراطي، ولكن الأخطر أن كل يوم يمر يعزز الهوة بين الشيعة والسنة بالبحرين، وهذا ما يريده أعداؤها في الداخل والخارج.
واهمٌ من يعتقد أن البحرين سيحكمها السنة منفردين، وحالم من يظن أن الشيعة سينتزعون حكمها دون شراكة المواطنة المتساوية مع السنة.
صحيح أن طريق الحوار شائكة ووعرة، والأصح أن هناك من سيسعى لوضع العراقيل أمام تحريك قطاره، ولكن الحوار هو السبيل الوحيد المتاح لإعادة اللحمة بين أبناء هذا الشعب الكريم، وعلى الجميع -وعلى رأسهم القيادة البحرينية الحكيمة والشجاعة- أن يعملوا سريعاً على تهيئة أجواء الحوار، وإطلاق سراح من لا يزالون بالسجن دون محاكمة، وإعادة المفصولين لوظائفهم، فكثير من هؤلاء طالبوا سلميّاً بتحسين أوضاعهم المعيشية.
لابد من التعجيل بقطع الطريق على من يريد إبقاء الجرح البحريني نازفاً، وبقاء البحرين بؤرة للتوتر والطائفية..
لا مفر ولا فرار من الولوج بالحوار وعلى أسس جديدة.