بينما يقترب موعد انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان المقرر في 2014، تتضاعف الجهود اليوم من أجل ترك أفغانستان في حالة استقرار ومنع انزلاق هذا البلد إلى حرب أهلية وتحوله إلى مرتع للمجموعات المتطرفة. وعلى هذه الخلفية، بدأ المسؤولون الأميركيون لقاءات مع ممثلي "طالبان" في دولة قطر في محاولة لإطلاق محادثات سلام في إطار محاولاتهم الرامية إلى إدماج "طالبان" ضمن بنية السلطة المقبلة في كابول. ومن الواضح أن الولايات المتحدة لم تتمكن من تحقيق هدفها المتمثل في ترك حكومة مدنية أفغانية قوية بعد الانسحاب الأميركي. ولذلك، فإنها تركز جهودها الآن على ضمان وضع حد للعنف المتواصل. ولكن لتحقيق هذا الهدف، تواجه الولايات المتحدة عدداً من التحديات حتى في المحادثات التمهيدية مع "طالبان". فحكومة كرزاي غاضبة بسبب استبعادها من المحادثات، وعلى الرغم من أنها أعلنت صراحة أنها لا ترى مانعاً في قيام الولايات المتحدة بمفاوضات مباشرة مع "طالبان"، إلا أنها تعبِّر في المجالس الخاصة عن استيائها الذي يمكن أن يمثل مشكلة في المستقبل. والواقع أن هذه ليست سوى واحدة من المشاكل العديدة التي تواجه الإدارة الأميركية في محاولاتها الرامية إلى الحؤول دون انهيار أفغانستان تحت ضغط تناقضاتها. غير أنه حتى الآن، لا تبدو "طالبان" مستعدة للاعتراف بأن المحادثات الحالية ستؤدي إلى سلام بين "طالبان" والحكومة الأفغانية. فالشهر الماضي، أعلنت "طالبان" أنها ستفتح مكتباً تابعاً لها في العاصمة القطرية الدوحة بهدف التعاطي مع المواضيع السياسية من أجل محادثات سلام ممكنة مع الولايات المتحدة. ولكن هذا الجهد مني بانتكاسة بعد أن تم تسريب مذكرة لـ"الناتو" إلى الصحافة وجدت أن "طالبان"، المدعومة من باكستان، ستسيطر على البلاد بعد رحيل قوات الناتو في 2014. كما تحدثت مذكرة "الناتو"، التي أُنجزت بعد استجواب 4 آلاف مقاتل تابعين لـ"طالبان"، عن بحث الطرق الكفيلة بمنع عودة "طالبان" إلى السلطة. وهكذا، أضرت المذكرة بالجهود الأميركية الرامية إلى الانخراط مع "طالبان". وإضافة إلى ذلك، فإن الأخبار القادمة من أفغانستان ليست سارة. ذلك أن الحكومة المدنية الأفغانية فشلت فشلاً ذريعاً حتى الآن في تعزيز سلطتها في البلاد، إذ على الرغم من أن القوات الأميركية تمكنت من حمل "طالبان" على التراجع والانسحاب من معاقلها في جنوب البلاد، فإن شكوكاً قوية مازالت تحوم حول قدرة الحكومة الأفغانية على البقاء والصمود في هذه المناطق في وقت تعمل فيه الولايات المتحدة على الخفض التدريجي لعديد قواتها في الميدان، ثم إنه ليس سراً أن كمية معتبرة من الأسلحة والذخيرة الأميركية التي كانت قد مُنحت لقوات الأمن الأفغانية تباع حالياً في كابول وبدأت تسقط في أيدي "طالبان". وعلاوة على ذلك، فإن المئات من جنود حكومة حامد كرزاي يعمدون إلى الانشقاق عن القوات الحكومية والانضمام إلى صفوف "طالبان"، بعد أن يتلقوا تدريبات مكثفة على أيدي المدربين العسكريين الأميركيين والتابعين للناتو. ولعل أسوأ ما يقض مضجع الولايات المتحدة وحلفائها هو أن "طالبان" تمكنت، بعد الانتكاسة التي منيت بها خلال الأعوام الأولى من الحملة الأميركية، من تعزيز وجودها في العديد من مناطق أفغانستان، ومن ذلك الشمال. هذا في حين أخذت الحكومة الأفغانية التي يقودها كرزاي تجد مجال نفوذها يتقلص على نحو متزايد. اللاعب المهم الآخر في الأزمة الأفغانية هو باكستان، فخلال الأشهر القليلة الماضية، انتقلت علاقات إسلام آباد مع واشنطن من سيئ إلى أسوأ نتيجة توالي الأزمات، ومن ذلك ظهور مذكرة غير موقعة تطلب فيها الحكومة المدنية الباكستانية مساعدة الولايات المتحدة من أجل منع حدوث انقلاب محتمل للجيش الباكستاني. كما اتهمت مذكرة "الناتو" المسربة وكالات الاستخبارات العسكرية الباكستانية بدعم "طالبان" أفغانستان. والواقع أن هذا ليس سوى غيض من فيض، ولمحة خاطفة على أزمة الثقة الخطيرة بين باكستان والقوى الغربية. الولايات المتحدة تعترف بأنها لا تتفق مع باكستان في ما يخص أهدافها في أفغانستان، ولذلك، فإنها بدأت تجرب محادثات مباشرة مع "طالبان". غير أن الواقع على الميدان مخالف تماماً للتطلعات الأميركية، ذلك أن واشنطن لا تستطيع تهميش باكستان كلياً نظراً لأن دعم هذه الأخيرة أساسي وضروري في أي صيغة مقبلة تشمل الحكومة المدنية الأفغانية و"طالبان". وذلك لأن باكستان لديها نفوذ كبير جداً على "طالبان"، حيث ينسج جهاز الاستخبارات الباكستاني "آي. إس. آي" علاقات قوية مع مختلف المجموعات الأفغانية منذ زمن الاحتلال السوفييتي لهذا البلد. وعلاوة على ذلك، فإن العديد من زعماء "طالبان" المهمين يوجدون في البلدات والمدن الحدودية لباكستان مع أفغانستان. كما أن حوالي مليوني لاجئ أفغاني، معظمهم من البشتون، مازالوا يعيشون في باكستان. ومن الواضح أن باكستان لم تكشف بعد عن كل أوراقها، ويبدو أنه عاقدة العزم على اتباع سياستها الخاصة في أفغانستان. وسعياً إلى تخفيف حدة التوتر بين إسلام آباد وكابول، قامت وزيرة الخارجية الباكستانية هذا الأسبوع بزيارة إلى كابول من أجل توصيل رسالة مؤداها أن باكستان ستدعم أي مبادرة سلام يقودها ويدفعها الأفغان أنفسهم مدعومين بكل المجموعات الإثنية. وبينما يواصل لاعبون كثر تحركهم على رقعة الشطرنج الأفغانية، فإن الحقيقة التي لا مراء فيها هي أن أفغانستان مازالت بعيدة عن إيجاد مخرج من الأزمة الحالية.