المأزق المصري والمخرج
د. إبراهيم البحراوي
مع دعوة مجموعة من القوى السياسية لبدء إضراب عام تدريجي يصل في نهاية مداه إلى العصيان المدني ما لم تتحقق المطالب المركزة حول إنهاء دور المجلس العسكري في الحكم، يبدو المشهد المصري واقعاً في مأزق، ذلك أن رئيس الوزراء د. كمال الجنزوري قد أجاب على هذه القوى بالقول إن المجلس العسكري ملتزم بالبقاء في الحكم حتى نهاية يونيو بعد انتخاب رئيس للجمهورية. أبعاد المأزق تتمثل في رفض القوى الداعية للعصيان المدني أن يجري إعداد الدستور الجديد، وأن تجرى انتخابات الرئاسة تحت سلطة المجلس العسكري، وذلك لتخوفها من أن يؤثر المجلس على مواد الدستور، خاصة تلك المتعلقة بوضع الجيش وميزانيته، وأيضاً لتخوفها من أن يقوم الجيش بفرض مرشح مثله للرئاسة، ويعمل على إنجاحه.
لقد نادى البعض في ظل تمسك المجلس العسكري بالبقاء لحين الانتهاء من الدستور، وانتخاب الرئيس بتسليم السلطة إلى رئيس مجلس الشعب، ونادى البعض بتسليمها إلى رئيس مؤقت يختاره نواب الشعب، غير أن هذه المقترحات لم تلق استجابة.
في تقديري يبدو المخرج الممكن ممثلاً في الدعوة التي أطلقها نائب مرشد "الإخوان المسلمين"، والتي طالب فيها بإنهاء عمل حكومة الجنزوري المكلفة من جانب المجلس العسكري، وبتشكيل حكومة ائتلافية تشارك فيها أحزاب البرلمان تحت رئاسة حزب "الحرية والعدالة" صاحب أكبر تمثيل في مجلس الشعب.
أعتقد أن هذا الحل قد عرض على المجلس العسكري قبل الإعلان عنه لضمان الموافقة عليه، فـ"الإخوان" يدركون كقوة سياسية أنه لا يليق مفاجأة المجلس العسكري، القائم بمهام رئيس الجمهورية بمثل هذا الاقتراح عبر برنامج تلفزيوني دون تحضير مبكر.
وبالتالي، فإنني أتصور أن المجلس العسكري سيعلن عن موافقته على هذا الاقتراح الذي يزيح من على كاهله الضغوط المتزايدة، التي تمارسها بعض القوى لتسليم السلطة فوراً إلى المدنيين.
لقد أعلن حزب "الإخوان" عن رفضه لدعوة الاضراب العام والعصيان المدني، وهو ما أدى إلى اتهامه من القوى الليبرالية الداعية لهذا الأمر، بتفعيل سيل من الاتهامات منها أن "الإخوان" تحالفوا مع المجلس العسكري ضد الثورة الهادفة إلى إرساء حكم ديموقراطي متكامل الأركان بعيداً عن ضغوط العسكر.
في تقديري أن هذا الموقف "الإخواني"، الذي يحمي المجلس العسكري من هذه الدعوة يمثل جزءاً من النهج السياسي، الذي يمارسه "الإخوان" لتجنب الصدام مع المجلس العسكري من ناحية، وتحقيق عملية نقل السلطة للحكم المدني بالتدريج، ومن خلال التوافق مع الجيش من ناحية ثانية.
ولاشك أن الدعوة للعصيان المدني رغم أن هناك أحزاباً مثل الوفد والسلفيين قد رفضتها، تمثل نوعاً من الضغط السياسي على الجيش، يستثمره "الإخوان" في انتزاع السلطة خطوة خطوة من يد العسكريين، لقد ظهر هذا في الفترة السابقة على انتخابات البرلمان، فقد كان هناك أيضاً من ينادون بنقل السلطة فوراً لمجلس رئاسي مدني، في حين فضّل "الإخوان" إجراء انتخابات البرلمان ليمكن نقل السلطة التشريعية من يد العسكري إلى البرلمان المنتخب، وهو اتجاه أثبت حنكته السياسية حيث لم يعد في يد الجيش إلا السلطة التنفيذية.
قبول الجيش باقتراح تشكيل حكومة ائتلافية، يعني نقل جانب جوهري من هذه السلطة إلى الحكم المدني، لتجرى انتخابات الرئاسة وعملية إعداد الدستور تحت إشراف مشترك من الحكومة المدنية والمجلس العسكري. هذا المخرج سيُرضي الكثيرين في مصر، ويجعل دعوات الإضراب العام والعصيان المدني مبالغاً فيها، وغير ذات جدوى من وجهة نظر غالبية الشعب.