ساركوزي بوجه جديد في الحملة الرئاسية... وحالة عدم يقين تكتنف الأزمة السورية! انطلاقة قوية لحملة ترشح ساركوزي لولاية رئاسية ثانية، ودخول مزعج لمارين لوبن على حلبة التنافس، وحالة عدم يقين مستمرة تكتنف الأزمة السورية، ثلاثة موضوعات استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. ساركوزي مرشحاً مازالت الصحافة الفرنسية تردد أصداء إعلان ساركوزي، يوم الأربعاء الماضي، عن ترشحه لولاية رئاسية ثانية، وهو موعد ربما فاجأ بعض المراقبين لتجاذبات بدايات الحملة السياسية والحزبية تحضيراً لانتخابات شهر مايو المقبل، لأن كثيرين كانوا يتوقعون أن يؤخر قليلاً موعد هذا الإعلان حتى تتحسن نتائجه في استطلاعات الرأي. صحيفة لوموند نشرت تحليلاً حول خلفيات هذا التبكير بإعلان الترشح، مفصلة في مؤهلات ساركوزي المرشح، ونقاط قوته وضعفه مقارنة مع منافسه الرئيسي المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند. وفي هذا السياق قالت الصحيفة إن ساركوزي ظل طيلة السنة الماضية يحضر نفسه سياسيّاً وحزبيّاً لإعلان الترشح، ولذلك ظل يتقاطر عليه في قصر الأليزيه "زوار الليل" من المستشارين والمسؤولين الحزبيين للتشاور معهم حول أفضل السبل لإطلاق حملة انتخابية مؤثرة في ظروف غير مواتية، ومن موقع رئيس منتهي الولاية. وقد نصحه كثير من مقربي فريق "مطبخه" السياسي بأن عليه الاعتماد لأطول فترة ممكنة من الحملة على مميزات وجوده في موقع السلطة، لا أن يغلق على نفسه الأبواب داخل فقاعة قصر الأليزيه. ولذا يبدو أن اختيار ساركوزي التبكير نسبيّاً بالإعلان عن الترشح جاء لهذا الغرض، لكي يستغل الأشهر الثلاثة المتبقية قبل الاستحقاق الانتخابي لترسيخ صورته كمرشح متحفز وصاحب تجربة في السلطة، يهدف لتقديم رؤى جديدة لحل مشكلات فرنسا المزمنة، ولخلع عباءة الرئيس المتعثر والمحوط بمآزق سياسية واقتصادية لا أول لها ولا آخر. وفي سياق تعداد نقاط قوة ساركوزي تستعرض لوموند بعض ما تعتقد أنه رهانات يعول عليها أنصاره لضمان نجاحه في امتحان مايو الانتخابي، وفي مقدمة ذلك طبعاً إرادته الشخصية والسياسية القوية، حيث يتميز عادة بصلابة وعناد لا يلينان، سوء في أوقات الفوز أو أوقات الخسارة، وقد جرب طعمهما معاً في تاريخه السياسي حيث مازالت تحتشد في ذاكرته تفاصيل تجربة نجاحه في رئاسيات 2007 التي حملته إلى قصر الأليزيه، بذات القدر الذي تحتشد فيه مرارة الهزيمة في انتخابات 1995 التي خاضها داعماً لرئيس الوزراء الأسبق أدوارد بالادير -ضد شيراك- ولكنه ومرشحه منيا بالهزيمة في النهاية. كما يعول ساركوزي أيضاً على مهارته الخاصة في التنكر لماضيه ومسح الطاولة في كل مرة لضمان انطلاقة سياسية جديدة. ويحسب هو وأنصاره كذلك على قدرتهم المعهودة على استقطاب الحلفاء السياسيين من مختلف خريطة المشهد السياسي الفرنسي إلى جانبهم، وأكثر من ذلك يعولون أيضاً على ما يعتبرونه نقاط ضعف بيّنة في شخصية وبرنامج منافسهم الرئيسي فرانسوا هولاند، وإن لم يكن ساركوزي خاصة معروفاً بدقة تقييمه للمنافسين، فقد عرف عنه في حملته الانتخابية ضد شيراك سنة 1995 تكراره المتواصل أن شيراك "يفتقد سْمت الزعامة"، ومفهومٌ أن شيراك يمكن أن يتهم بأي شيء سوى افتقاد قوة ومؤهلات الزعامة بالذات! خطة "مارين لوبن" في صحيفة لوفيغارو انتقد الكاتب إيفان ريوفول بعض ظواهر المشهد السياسي الفرنسي الراهن معتبراً أن ديمقراطية تعاود الآن التساؤل حول قيمها الأساسية، وترتهن لأمزجة استطلاعات الرأي، وتتهيَّب التنافس السياسي الحر، لاشك أنها ديمقراطية مريضة، بكل المقاييس. وهذه هي حال فرنسا اليوم، حيث يتقاعس اليسار لأسباب حزبية قصيرة النظر عن الدفاع عن قيم العلمانية وأسس الجمهورية خوفاً من تأثر شعبيته لدى الأقلية، وحيث يرى بعض "إنسانويي" الصالونات خطراً داهماً في دعوة ساركوزي للفرنسيين إلى التحرر من قيود الاستقطابات الإيديولوجية، وحيث تسعى الأحزاب الكبيرة لتغييب مرشحة "الجبهة الوطنية" مارين لوبن بمحاولة إعاقة حصولها على التزكيات اللازمة للترشح. وليس هذا كل شيء، فثمة أيضاً كثير من الأعراض الأخرى الإضافية الدالة على مرض الجسم السياسي الفرنسي اليوم. ولكن، يقول الكاتب، هل هنالك طبيب يستطيع وصف العلاج؟ طبعاً لا يمكن التعويل على المرشح الاشتراكي فرانسوا هولاند لوصف دواء كل هذه العلل والأمراض السياسية، لأن حزبه أصبح يرتعب من سماع صوت الشعب، وتخامره شكوك معلنة في كل أفكاره القديمة، ولذلك ترك حلبات أفكاره التقليدية لمارين لوبن تعيث فيها خطابة ومزايدات كيفما شاءت. ولا يبدو أيضاً أن بعض وجوه "الوسط" مثل فرانسوا بايرو يقدمون حلولاً ولا وصفات أكثر من قدرتهم على أخذ مسافات أمان من الخور الاشتراكي، والاندفاع اليميني المتطرف. ويبقى أخيراً السؤال: هل يكون المرشح ساركوزي هو من سينجح في تحقيق المصالحة مع الشعب المهجور الذي لم يعد أمامه سوى خيارين أحلاهما مر هما "عروس بحر" الجبهة الوطنية، أو الامتناع عن التصويت؟ وهذا شيء مؤسف، لكنه طبيعي، لأن القطط المحمومة تخاف عادة من النزول إلى المياه الباردة. وفي السياق ذاته ذهب الكاتب "آبل ميستر" في تحليل نشره في صحيفة لوموند إلى أن خطة مارين لوبن، التي قررت إطلاق حملة ترشحها من مدينة "ليل" على امتداد يومي أمس (السبت) واليوم (الأحد)، ستركز منذ الآن فصاعداً على رهان تعتقد أنه الأفضل هو مهاجمة ساركوزي تحديداً، واتخاذه هدفاً أساسيّاً لن يتسنى تحقق فرص فوزها سوى على جثته السياسية. ولذا قررت سلفاً أن يكون خطابها في ختام إطلاق حملتها مساء اليوم الأحد حاداً جداً وهجوميّاً ضد ساركوزي، وخاصة أنه هو استعار بطريقة ما لدى إطلاق حملته بعض أفكار السيدة لوبن ذات العلامة السياسية المسجلة، عندما حاول يوم الخميس الماضي استعارة وجه وقناع جديدين، بتقديم نفسه على أنه مرشح عامة الشعب الفرنسي ضد النخب السياسية، وهو ما كان محل تندر في صفوف نشطاء الجبهة الوطنية، الذين اعتبروا هذا الموقف بمثابة إعلان حرب من قبل ساركوزي عليهم، لأنه يريد سحب البساط من تحت أقدامهم. ويعتبر أنصار "الجبهة" أن نتائج حزبهم المخيبة في الرئاسيات الماضية لن تتكرر هذا العام، بل إنهم مقتنعون بأنهم سيتجاوزون سقف المفاجأة التي حققها لوبن الأب في رئاسيات 2002 ببلوغه الشوط الثاني مع شيراك، على حساب المرشح الاشتراكي جوسبان. وفي هذا العام يعتقدون أن مارين لوبن ستكون مرشحة أساسية، وأن احتمال فوزها قوي، وهذه هي الحقيقة التي يتعين على اليمين واليسار التقليدي أن يتكيفا معها الآن. الأزمة السورية صحيفة ليبراسيون التي تمكن اثنان من مراسليها من التسلل داخل الأراضي السورية خلال الأيام الماضية، راسلاها من هناك بمؤدى مشاهداتهما وشهاداتهما التي تعد انفرادات صحفية في الوقت الراهن، حيث يتحدثان عن سيولة الوضع الراهن الذي دخلته الأزمة السورية، فيستعرضان مشاهد المقاومة، وصور المآسي التي يتجرعها المدنيون العزل، مؤكدين أن المعاناة والبطولة باتت لهما الآن أسماء وألقاب وأصوات. وقد كتب كثير، تقول الصحيفة في افتتاحية بهذا الصدد، حول سوريا وما جرى ويجري فيها، من تناقضات داخلية مزمنة بين ديكتاتورية فاسدة وزبونية تقصي الأغلبية السنية عن كافة مفاصل اتخاذ القرار، وحول بعض تحديات وضغوط اللحظة الراهنة في السياق الإقليمي حيث تجري أيضاً الآن على أرض سوريا معركة إرادات بين إيران وبعض الدول العربية، كما كتب كثير أيضاً حول التحدي الجارف المتمثل في خطر "لبننة" الحالة السورية في النهاية، وارتماء البلاء في أتون حرب أهلية لا تبقي ولا تذر، سيكون لحريقها ما يشبه مفعول "الدومينو". وفي ختام افتتاحيتها حيَّت الصحيفة الجهود الدولية المبذولة على رغم العراقيل للوقوف إلى جانب الشعب السوري، مشيرة بصفة خاصة إلى جهود وزير الخارجية الفرنسي في هذا المجال. وفي افتتاحية ثانية بصحيفة لوفيغارو تحت عنوان: "سوريا: نزاع سيطول" استعرض الكاتب بيير روسلين خريطة المواقف الدولية الراهنة من الأزمة السورية مرجحاً أن يستمر التجاذب حولها، وأن يستمر العنف والعنف المضاد أيضاً لفترة مفتوحة لاحقة، حتى تنضج الظروف السياسية أو الميدانية الكفيلة بتخليص الشعب السوري من محنته الراهنة. إعداد: حسن ولد المختار