حدث في الأسابيع الماضية لقاء بين شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب والرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر، تطرقا خلاله للقضية الفلسطينية، حيث أشار شيخ الأزهر إلى أن أصل المشكلة يكمن في خلط الكيان الصهيوني الدينَ بالسياسة، مما أدى بهذا الكيان إلى استعمار الشعب الفلسطيني وقهره وتحويله إلى لاجئين، خاصة بعد أن انعدمت العدالة في السياسة الدولية. وبدوره وافق كارتر على ما ذهب إليه شيخ الأزهر، وأضاف نقطة تتعلق بالدعم الذي تتلقاه إسرائيل من الغرب، وكان واضحاً في تفسيره لهذا الأمر عندما قال: "الغرب وأميركا يدعمان أكثر من اللازم سياسة إسرائيل الاستعمارية التي تقوم على إذلال الشعب الفلسطيني وانتهاك حقوقه". والأساسي في هذا اللقاء هو النقطة التي توصل إليها طرفاه، والمتعلقة بالأسباب والكوامن التي تدفع إسرائيل للاستمرار في ممارساتها على أرض فلسطين، أي المفهوم الخاطئ للدين والدعم الغربي المطلق، حيث نجد تفاصيل الأمرين واضحة في مفاصل الجسد الصهيوني وسياساته وممارساته بحق الشعب الفلسطيني، والتي تنطلق من القاعدة القائلة: إن فلسطين هي أرض "الميعاد"، وإن اليهود هم الشعب المقدس! ويكفي هنا أن نستشهد بما قاله نتنياهو في خطاب ألقاه منذ فترة أمام "الكنيست" بمناسبة ذكرى احتلال القدس الشرقية، حيث زعم أن القدس ستبقى عاصمة إسرائيل إلى الأبد، وقال: "من يقترح أن ننتزع قلب القدس، جبل الهيكل، على أن ذلك سوف يؤدي إلى جلب السلام، يرتكب خطأ فادحاً"، ثم أضاف أن "القدس ليست عاصمة إسرائيل فحسب، وإنما هي فكرة وقيمة مثالية، وعلينا أن نتوقف يوماً في السنة وندرك أننا نشهد ونختبر تحقق رؤيا الأنبياء التوق إلى صهيون والعودة إليه". وتابع نتنياهو قائلا إن واضع فكرة "دولة اليهود"، وهو ثيودور هرتزل، "لم يتنازل عن صهيون بل رفع يده اليمنى وقال: فلتنثني يميني إذا نسيتك أورشليم. واليوم نحن نرفع يدنا اليمنى لأداء القسم نفسه ونتعهد بالقدس عاصمة لإسرائيل إلى الأبد". إنه منظور عقائدي يرتكز في قاعدته على أن فلسطين هي أرض الميعاد التي أصبحت "إسرائيل"، وهي كيان بلا حدود، إلى درجة أن البروفيسور "شلومو زاند"، أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب وصاحب كتاب "كيف اخترعت أرض إسرائيل"، قال: "إذا كان التاريخ الإسرائيلي بيتاً من كرتون، فالاستنتاج الطبيعي هو أن الأسس التي أقيمت عليها إسرائيل أيضاً بيت من كرتون. وسيكتشف الجيل الإسرائيلي الحالي، والذي يليه، بأن لا حقوق تاريخية له في فلسطين ولا حياة آمنة ولا مستقبل مضمون، وأن الجنسية الإسرائيلية التي يحملها أتت نتيجة تلفيق للتاريخ، بالقوة والدم، ولا عدالة فيها، لأنها أنكرت حق الشعب الفلسطيني في أرضه وهجّرته". هذا الأستاذ تساءل في محاضرة له بجامعة تل أبيب: "تكاد كل دول العالم تعرف حدودها، فهل من إسرائيلي واحد يستطيع أن يدلنا على حدود إسرائيل؟". وأشار "زاند" إلى أن الدولة العبرية لا تخضع للقوانين والأعراف الدولية المألوفة، فهي دولة دون حدود حتى لو عدنا إلى "الصك التوراتي" الذي يقول إن أرض الميعاد التي منحها الله لبني إسرائيل تمتد من النيل إلى الفرات، لما كان في وسع أكثر المؤمنين به غلواً أن يدلنا على تلك الحدود!