تجارة التجزئة ومعيار الثقة
إلى جانب أن الطلب الاستهلاكي على السلع النهائية أو ما يعرف بتجارة التجزئة يمثل مكوّناً محورياً بين مكوّنات الطلب الكليّ في اقتصاد أي دولة، فهو يعدّ المؤشر المحوري الذي يستدل به على مدى قدرة الأسواق المحلية على استيعاب المزيد من المنتجات، فكلما زاد هذا الطلب كان ذلك مشجّعاً للأنشطة الاقتصادية ولخطوط الإنتاج على التوسع في العملية الإنتاجية، ومن ثم أدى ذلك إلى تحقيق الاقتصاد الوطني مزيداً من النمو والازدهار، وكلما زادت معدلات نمو الطلب الاستهلاكي وبالتالي معدلات نمو تجارة التجزئة عبّر ذلك عن أن الاقتصاد المعنيّ يحوي بين ثناياه قوى محركة وذاتية تدفعه نحو النمو والتوسع من دون انتظار العون من الاقتصادات الأخرى، وبالتالي أصبح هذا الاقتصاد يتمتع بدرجة من الحصانة ضد الأزمات التي يمكن أن تلحق بغيره من الاقتصادات.
يعدّ الاقتصاد الإماراتي في الوقت الراهن أحد الاقتصادات المعدودة على مستوى العالم التي تتمتع بهذه الميزة، كونه يمتلك طاقات ذاتية محركة للطلب في الأسواق المحلية، تساعد تجارة التجزئة على النمو بمعدلات مرتفعة عما هو سائد على المستوى الإقليمي، وبدرجة متنافسة مع أكثر الاقتصادات نمواً على مستوى العالم في هذا الشأن، وقد بدا ذلك واضحاً بجلاء ضمن ثنايا التقرير الذي أصدرته مؤسسة "أيه تي كيرني" المتخصصة في الاستشارات الإدارية والاستراتيجية مؤخراً، وهو التقرير الذي وضع الإمارات في المرتبة الأولى عربياً والسابعة عالمياً، وفقاً لمؤشر "تطور تجارة التجزئة" لعام 2012، محققة بذلك تحسناً في الترتيب مقارنة بعام 2011، الذي احتلّت فيه المرتبة الثامنة عالمياً، وفقاً للمؤشر نفسه.
في ظل التصنيف المتقدم الذي حصلت عليه الإمارات وفقاً لمؤسسة "أيه تي كيرني"، فقد وضعتها المؤسسة ضمن أفضل الأسواق الناشئة من حيث معدل توسع تجارة التجزئة، وهي الأسواق التي تضم عدداً من الدول صاحبة الأداء الاقتصادي المستقر والإيجابي قياساً بالظروف المحيطة على المستوى العالمي، وقد أتت كلّ من البرازيل والصين والهند وعدد آخر من الدول التي تمثل القوة المحركة الرئيسة للنمو الاقتصادي العالمي في الوقت الحالي.
إن تطوّر تجارة التجزئة والنمو الذي طرأ عليها من حيث الحجم مقارنة بالعام الماضي والذي تم تقديره بنحو 5 في المئة، أسهما من ناحية في وضع دولة الإمارات بقوة على خريطة تجارة التجزئة العالمية، وعبّرا من ناحية أخرى عن ارتفاع مستوى ثقة المستهلكين بالأداء الاقتصادي الوطني، على الرغم من الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص، في ظل ظروف عدم الاستقرار السياسي والأمني، والظروف التي يمر بها الاقتصاد العالمي على وجه العموم، جرّاء الأزمات المالية المتلاحقة التي تضرب الاقتصادات الكبرى، خاصة اقتصادات "منطقة اليورو"، التي تلقي بظلالها على الأجواء الاقتصادية العالمية، وتعمّق من أزمة الثقة لدى المستهلكين والمستثمرين على حد سواء.
إن تزامن الأداء الإيجابي الإماراتي مع الأداء المتراجع على المستويين الإقليمي والعالمي على هذا النحو يضع الاقتصاد الوطني في منطقة مضيئة على خريطة الأداء الاقتصادي ككل، وتميزه كثيراً كذلك في ما يتعلق بخريطة التجارة العالمية، وتجذب إليه انتباه المستثمرين كوجهة استثمارية واعدة، تمتلك آفاقاً واسعة للتوسع والنمو، ولديها رصيد جيد من التنافسية وجاذبية المناخ الاستثماري والمرونة في بيئة الأعمال، ما يجعلها أحد البلدان الأكثر تميزاً وقدرة على جذب هؤلاء المستثمرين على مستوى العالم.
ـــــــــــــــــــ
عن نشرة "أخبار الساعة" الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية.