في غياب أية ضغوط على الحكومة الإسرائيلية بشأن تحريك المفاوضات مع الفلسطينيين، طفت على السطح خلال الأسبوع الماضي، مسألتان شغلتا الإسرائيليين، المسألة الأولى هي تولي رئيس مصري ينتمي إلى جماعة "الإخوان المسلمين"، ذلك أنه رغم التطمينات التي أعلنها مرسي في خطابه بجامعة القاهرة حول احترامه للمعاهدات والالتزامات المصرية الدولية، وإشاراته على نحو التحديد إلى معاهدة السلام مع إسرائيل في إطار هذا الاحترام، فإن الصحف الإسرائيلية ظلت مشغولة بالتساؤلات حول مستقبل المعاهدة. ويبدو أن رئيس وزراء إسرائيل نفسه كان لديه ذات الانشغال، فقد أعلنت صحيفة "هآرتس" أنه أرسل رسالة إلى الرئيس المصري يهنئه فيها ويطالبه بدعم معاهدة السلام، مؤكداً أن احترام المعاهدة في مصلحة الجانبين. إنني أعتقد أن المخاوف الإسرائيلية ستستمر لفترة نظراً للارتباط الأيديولوجي بين الرئيس المصري وجماعة "الإخوان" وبين سلطة "حماس" في غزة، فليس من السهل على الشخصية الإسرائيلية المشحونة بتراث الشكوك في العالم نتيجة لتجربة الاضطهاد التي مرت بها في أوروبا على أيدي المسيحيين أثناء العصور الوسطى، ونتيجة لتجربة الهولوكوست أو المحرقة التي تعرض لها اليهود على أيدي النازيين في العصر الحديث، أن تشعر بالاطمئنان أو الثقة في الآخر لمجرد سماع الوعود. إذا أضفنا إلى ذلك التراث من الشك في العالم شعور الإسرائيليين كقوم غاصبين غزاة أنهم فجروا عداء العرب والمسلمين بسلسلة المجازر والفظائع التي ارتكبوها ضد الشعب الفلسطيني وأنهم معرضون بالتالي للعداء العربي والإسلامي، فإننا سنتفهم حالة القلق التي انتابتهم والتي ستتواصل إلى أن يتأكدوا أن تأييد "الإخوان" لحركة "حماس" سيظل في إطار العمل السياسي والديبلوماسي والدعم الاقتصادي، وأنه لن يتجاوز ذلك إلى المجال العسكري. إن المسألة الثانية التي انشغل بها الإسرائيليون لا تبتعد في جوهرها عن المسألة الأولى، وهي الرؤية الفكرية التي كوّنها رئيس الوزراء الأسبق إسحاق شامير الذي توفي بداية الأسبوع، عن العرب وعن التفاوض معهم، لقد استعاد الإسرائيليون رؤية الرجل بمناسبة وفاته والتي لخّصها في عبارتين شهيرتين؛ الأولى تقول: "سيبقى العرب نفس العرب كما يبقى البحر نفس البحر". وهو يعني أن تراث الشك الإسرائيلي في العرب باعتبارهم كارهين لإسرائيل صحيح، وأن العرب لن يتغيروا عما هم فيه بهذا الشأن، كما أن البحر لن يتحول من مياه مالحة إلى مياه عذبة. أما العبارة الثانية فقد أطلقها شامير عندما أرغمه بوش الأب على حضور مؤتمر مدريد للسلام في بداية التسعينيات لبدء مسيرة التفاوض مع الفلسطينيين، فقال شامير: "حسناً، سنتفاوض لمدة عشرين سنة"، وكان يعني أنه إذا كان قد أرغم على التفاوض على الانسحاب من الضفة الغربية التي يعتبرها جزءاً من أرض إسرائيل الكاملة أو الكبرى، فإن بمقدوره تجميد الأمور عند حد التفاوض إلى ما لا نهاية، ومواصلة قضم وهضم الضفة التي كان يرفض اعتبارها أرضاً محتلة. المهم في هذه المسألة أن استرجاع الإسرائيليين لرؤية شامير للعرب والتفاوض قد تُوّج بتصريح أصدره نتنياهو يؤيد هذه الرؤية ويعلن تمسكه بها، عندما قال إن شامير كان يرى الأمور بشكلها الحقيقي وقد تمكّن من قراءة الواقع الذي تعيشه إسرائيل بشكل صحيح. وهذا ما يفسر موقف نتنياهو من التفاوض.