أوطان بلا أحقاد!
تمر العديد من الدول العربية بحالة من الاضطراب السياسي والذي انعكس بدوره على مختلف جوانب الحياة، وبالذات اللحمة الاجتماعية لمجتمعاتها أو ما يعبر عنه أحياناً بالسلم الأهلي. ولأنه في العالم العربي لا توجد قواعد يلتزم بها الجميع في اللعبة السياسية ويحتكمون إليها، حيث يرى البعض أن بمقدوره استخدام مختلف الوسائل للوصول إلى أهدافه السياسية مهما كانت تبعاتها على المجتمع وبغض النظر عن الثمن المقابل لاستخدام هذه الوسائل... فإن هناك من يخاطب الفئات المحرومة بوعود غير قابلة للتحقق، أو يرفع شعارات تدغدغ عواطف الجماهير ولا صلة لها بواقعهم المعاش لكنها تحمل رواسب الماضي الموجود في بواطن بعض النفوس فتستحضره بآلامه ودمائه لتقتات به في معركتها السياسية. ولأن هذه الشعارات لها بعدها المذهبي، فقد تجد تجاوباً غير طبيعي من بعض الجماهير نصرةً لمذهبها وعلى حساب الوطن ومصالحه والتي هي في النهاية مصالح كافة المواطنين بغض النظر عن مذاهبهم ومعتقداتهم. وهذا كله نتيجة للتخلف الفكري الذي تعاني منه الأمة، كما أنه نتيجة لتخلي النخب المثقفة عن دورها ومسؤولياتها في توعية الجماهير خشية ردود الأفعال من بعض متطرفي أصحاب النعرات الطائفية.
وإلى ذلك بالطبع، يتحمل أهل السياسية مسؤوليةً كبيرةً في زعزعزة السلم الأهلي من خلال توظيف الشعارات المذهبية لتحقيق أهدافهم الحزبية. ويتجلى ذلك بوضوح في العراق الذي يعيش ديمقراطية مزقت البلاد وأهدرت ثرواتها وجعلتها تابعة لدولة أخرى طالما ناصبت العراق العداء، وذلك في ظل شعارات سياسية استغلت المذهب لتحقيق أهداف لا تخدم المواطن العراقي ولا العراق كوطن بإمكانياته والدور الإقليمي الذي يفترض أن يطلع به.
ومثل ذلك أيضاً ما يحدث في سوريا حالياً من اصطفاف طائفي في حرب إبادة ضد الشعب السوري، يقودها نظام الأسد مستعيناً بإيران و"حزب الله" وحلفائهم في العراق من خلال توظيف المذهب لخدمة مصالحهم السياسية والزج بالأتباع في معركة لا ناقة لهم فيها ولا جمل وإنما هي لعبة سياسية تستغل انتماء الجماهير للمذهب لتحقيق أهداف سلطوية، والضحية في النهاية هم هؤلاء الجماهير والوطن كله.
ومثله كذلك ما تنادي به بعض التجمعات السياسية في بعض دول الخليج واليمن من مطالب تحت شعار نصرة المذهب والدفاع عنه، حيث نجدها تخاطب الجماهير من خلال المنابر الدينية لتحقيق أهدافها السياسية، مما ينتج عنه صراع لا يمكن إدراك أبعاده أو توقع نتائجه، خاصة إذا كان الطرف الآخر يلجأ إلى نفس الشعارات وذات الأساليب ويغرق هو أيضاً في الماضي لمواجهة مشكلات الحاضر والمستقبل... والنتيجة على الجانبين تكون زيادة في التأزيم وإحداث شرخ في المجتمع، لأن مشكلات المذاهب التي لم نتمكن من حلها خلال قرون طويلة لن يؤدي استحضارها الآن إلى اجتماع الكلمة ووحدة الصف وتمتين اللحمة الاجتماعية التي نحتاجها لبناء الأوطان.
إن العالم العربي بحاجة إلى ترسيخ مفهوم المواطنة القائم على المساواة في الحقوق والواجبات لكل أبناء الوطن، بغض النظر انتماءاتهم العقدية والفكرية والعرقية، في ظل عدالة لجميع أبناء الوطن.