يبحث كتاب "الحدود المفتوحة: وهمٌ أم سياسة مستقبلية حتمية؟"، لمؤلفه جون كيسي، في احتمالات فتح الحدود على نطاق العالم؛ بوصفه أحد الخيارات المستقبلية، فالحدود الأكثر انفتاحاً تمثل أداةً للترابط الاقتصادي والتنمية وتكامل القيم السياسية والاجتماعية. لكن المؤلف، وإذ يتقبّل حقيقة أن التدفق الحر للمهاجرين أمر مستحيل في الوقت الحالي، فهو يرى أن الحدود المفتوحة ستكون نتيجةً حتميةً للعولمة على المدى الطويل، فضلاً عن أنها خيار لمعالجة أوجه التفاوت بين الشمال والجنوب، كما أنها تمثل اختباراً أخلاقياً لفكرة حقوق الإنسان على الصعيد العالمي. ولا يدعو "كيسي" إلى المزيد من الهجرة، بل يستكشف مفارقة مؤداها أن إيجاد الظروف الملائمة لفتح الحدود، قد يقلل من الحوافز الدافعة للهجرة أصلاً. كما يبحث في التغيير الذي ينبغي إحداثه في السياسات؛ لجعل الحدود المفتوحة واقعاً محقَّقاً. لكن قبل ذلك يلاحظ أنه رغم المخاوف الأمنية التي تجعل تجريم حركة الناس عبر الحدود يزداد يوماً بعد آخر، فإنه يوجد واقع سياسي واقتصادي موازٍ؛ يتمتع فيه الناس بحرية الحركة؛ مثل: مناطق الحركة الحرة؛ كالاتحاد الأوروبي الموسع، والاتفاقات الثنائية ومتعددة الأطراف التي تتضمن إتاحة مزيد من السلاسة في الحركة عبر الحدود، ومفاوضات منظمة التجارة العالمية الساعية لتسهيل تدفّق مقدّمي السلع والخدمات، ومطالبات البلدان النامية بإتاحة الفرصة لمواطنيها لدخول أسواق العمل في العالم الصناعي، وظهور طبقة جديدة من المهنيين (ذوي الياقات الذهبية)، ممن يتحركون بسهولة متزايدة في جميع أرجاء العالم. ووفقاً للكتاب فإن القيود الحالية على الهجرة، تعود إلى أزمتي النفط في السبعينيات والثمانينيات، واللتين أحدثتا توازنات جديدة في العرض والطلب العالميين على العمالة المهاجرة. لكن سرعان ما أصبحت هذه القيود، رغم حداثة تاريخها نسبياً، راسخة في الرأي العام والخطاب السياسي. لذلك فالاتجاه العام، في جو القلق الأمني الراهن، يسير نحو التشديد على الهجرة، حيث أصبحت حركة الناس عبر الحدود تخضع لمزيد من القيود والإجراءات البيروقراطية. وحتى قبل هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001، أصبح الخطاب المناهض للمهاجرين، راسخاً في كثير من البلدان، وساعد المناخ الأمني على تعزيز المواقف المعادية للمهاجرين في مناطق كثيرة من العالم. ومع ذلك، يقول المؤلف، فإن فتح الحدود أمرٌ قائم ضمن الأجندة السياسية لكثير من الدول والمؤسسات الدولية؛ ومثال ذلك توسيع الاتحاد الأوروبي، والتوسيع التدريجي لأحكام حرية التنقّل الداخلي لمواطني الدول الأعضاء في الاتحاد. كما توجد مبادرات أخرى على نطاق أضيق؛ مثل: اتفاقية التنقل عبر بحر تسمان بين أستراليا ونيوزيلندا، واتفاقات العمل التي تشمل حرية التنقّل لبعض العمال بين دول الكاريبي، والجهود المتواصلة لتسهيل التنقل عبر الحدود بين دول مجلس الشمال الأوروبي. والعديد من الاتفاقيات الثنائية والمتعددة الأطراف القائمة على الروابط التاريخية والقرب الجغرافي وتتضمن جانباً من تحرير حركة المهاجرين. لكن تلك التجارب محصورة في عالم سياسي استطاع تجنب التداخل والنقاشات الأخرى حول الهجرة؛ فأوروبا تزيل الحدود الداخلية بينما تقيم جدراناً خارجية. أما أستراليا المتمتعة بحدود مفتوحة مع نيوزيلندا، والتي تسمح بالعمل المؤقت للأجانب القادمين من دول بعينها، فتحتفظ بنظام قاسٍ لاعتقال الوافدين غير الشرعيين، وترفض السماح لمواطني بابوا غينيا الجديدة بدخول أسواق العمل الأسترالية. وكما يبين الكتاب، فثمة تناقض جوهري في هدف فتح الحدود؛ كونه يسعى لضمان حق جميع الناس في الهجرة، لكن النتيجة ستكون إيجاد عالم لا يحتاج الناس فيه لذلك الخيار. هذا علاوة على أن التحديات كثيرة فيما يخص فتح الحدود، إذ يوجد قدر كبير من الحواجز السياسية والاجتماعية، ومجموعة معقدة من العقبات الإدارية والعملية التي ينبغي التغلب عليها أولاً. محمد ولد المنى كتاب: الحدود المفتوحة: وهمٌ أم سياسة مستقبلية حتمية؟ المؤلف: جون كيسي الناشر: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية تاريخ النشر: 2012