لدينا مأثورات غنية للتعبير عن روح التعايش بين البشر عامة، ولكن أحياناً لا يوفق البعض إلى اختيار ما هو إيجابي ومطلوب لبناء نمط من السلوك الذي يساعد الناس على الالتئام بدل الالتحام في معارك جانبية تضيع بين جنباتها الحقائق التي يراد توصيلها أو ترسيخها في المجتمع. لذا نجد شريحة تصدر أحكاماً مسبقة على بعض الأفراد تحت مبرر "لا غيبة لفاسق"، أي بمعنى الولوغ في أعراض الناس بحجة أنهم فساق ومرفوع عنهم الحصانة ضد "الغيبة أو النميمة" أو ما شابه من السلوكيات المحرمة أصلاً ممارستها بين الناس. والسبب الرئيسي في وقوع البعض في ممارسة سلوكيات محرمة بذريعة وجود أقوال مأثورة تحث على ذلك، هو إخراج النصوص الدينية والشرعية عن سياقها التاريخي والمجتمعي وتحويلها إلى صكوك ليس للغفران وإنما للاتهام والتشهير. فيقوم هذا الفرد الجاهل بقواعد تنزيل نصوص الدين والشرع على حالات تمارس ضد سلوك الغيبة بأكل لحوم الناس وتحليلها بدل التشديد الذي ورد في كلام الله سبحانه وتعالى: "أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه".. لحرمة هذا الفعل السلوك مع كائن من كان، لأن أحكام الشريعة العامة ليست من حقوق الأفراد يطلقونها كيفما وقع أو نزل وإلا دبت الفوضى في نسيج المجتمعات الآمنة في سربها، حتى يأتي البعض للتسبب في فتنة اجتماعية سلوكية باسم "الدين" الذي قضى بحرمتها. يقطع البعض فقرة من آية قرآنية أو من حديث مشهور، ويرفع من خلالها راية التشهير والتقليل من أقدار الناس باسم إصلاح الخلل في المجتمع، ويرتكب في هذا الطريق أخطاء شنيعة تتعارض مع قواعد وأصول الدين التي تقر عدم النهي عن منكر أو خلل إذا كان فعل الإنكار في حد ذاته قد يؤدي إلى خلل أكبر أو منكر أعظم، وهل هناك منكر أعظم من الولوج في أعراض الناس بالقيل والقال من دون أن يتعرض فاعله إلى المساءلة القانونية. إن خطورة هذا المسلك تكمن في استخدام البعض واستقطاع أجزاء من نصوص الآيات والأحاديث النبوية في وجه الناس المخالفين في ظنهم كأدلة اتهام مسبقة، يقف ضد أي حوار عقلاني من أجل منظومة سلمية للأمن الاجتماعي العام في المجتمع من دون الدخول إلى حيثيات النصوص العامة التي جاءت من أجل تهذيب السلوكيات العامة للناس وليس تجريمها كما يفعل البعض تجاه إخوانهم في الدين. واستمرار البعض في هذه التصرفات السلبية يخل بمعادلة "الدين المعاملة" وهي عصب الدين ومقصد إدارة الحياة لدى البشر قاطبة وليس المسلمين فقط. فكلما قوي العامل الذي يغذي هذه المعادلة الذهبية في حياة الأفراد كانت المساهمات الفاعلة والإيجابية هي الحاسمة في هذا المجال. ومن يمارس هذا السلوك السلبي تجاه أي فرد، فإنه يدين نفسه أولاً قبل الآخر، فما يقوم به من تصرفات بعد ذلك ترتد إليه قد يكون بذات المقدار أو بأكبر منه ويعتمد ذلك على قدرة الآخر الموسوم بالسوء بسبب تلك النظرة القاصرة على تحمل ما يأتيه، وهو ما قد يؤدي إلى ردة فعل غير محسوبة نتائجها على شخصين متقابلين وإنما على حركة السلوك العام في المجتمع. والأكثر خطورة من ذلك كله إذا تحولت فرصة البعض إلى شكل فتاوى دينية يتم تداولها من دون أدنى تمحيص لخلفيات واقع الكثير من نصوص الشرع التي تقيدها ظروف الزمان والمكان ولا يمكن التعامل معها مبتسرة عن ذلك وإلا كانت فتنتها العملية أشد من القتل.