إنقاذ مالي ومجازر سوريا... ومأساة سربرينتشا! دعوة للتدخل في مالي لإنقاذ التراث الإنساني، وعودة قضية "مراح" إلى الواجهة في فرنسا، واستمرار المجازر في سوريا رغم الجهود الدبلوماسية، ثم إحياء الذكرى الـ17 لمجزرة سربرينتشا... أهم عناوين الصحافة الفرنسية خلال الأسبوع الماضي. طوارئ في تومبكتو نشرت صحيفة "لوموند" يوم الجمعة الماضي مقالاً موقعاً من قبل الرئيسين السابقين الفرنسي جاك شيراك، والسنغالي عبدو ضيوف، يدعوان فيه المجتمع الدولي إلى عدم التخلي عن أفريقيا جنوب الصحراء، وخاصة منطقة الساحل التي تعيش هذه الأيام على وقع تطورات خطيرة تجري تحديداً في التخوم الشمالية لمالي، حيث تمكنت جماعات إسلامية متشددة من السيطرة على الشمال المالي وطرد خصومها من حركة تحرير أزواد، فكان أول ما قامت به هو تطبيق الشريعة وتدمير الأضرحة التاريخية. هذه التطورات المتسارعة رفعت مستويات الاستنفار، سواء لدى القوى الإقليمية أو تلك التي ترتبط بعلاقات تاريخية مع مالي مثل فرنسا، لذا يشدد الرئيسان السابقان على ضرورة التدخل العاجل لوقف تدمير التراث الإنساني من جهة، ووضع حد للتدهور الأمني في المنطقة الذي يهدد بزعزعة استقرارها من جهة أخرى. وفي هذا الإطار يشيد الرئيسان بالتحركات الجارية حالياً مثل القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي بدعم وتأييد مبادرة الوساطة التي ترعاها المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، ومعها الاتحاد الأفريقي، لإعادة الحياة الدستورية إلى مالي والتوصل إلى حل سياسي للأزمة. لكن الرئيسين السابقين يعيبان على التدخلات الدولية، والأوروبية منها على وجه الخصوص في أفريقيا، تركيزها الحصري على الجانب الأمني والتحرك وفقاً لما تفرضه التطورات الأمنية في الميدان والتغافل عن الجانب الإنمائي والاقتصادي، لذا يدعو الرئيسان إلى إقرار خطة مارشال جديدة موجهة إلى البلدان الأفريقية تمدها بالمساعدات اللازمة لتخطي أزمات أعمق من المعضلة الأمنية وإن كانت متشابكة معها، فدول الساحل خصوصاً تعيش منذ ثلاث سنوات موجة جفاف قاسية أثرت على حياة الناس ودفعت الكثير منهم إلى النزوح إلى دول مجاورة، وما لم تعالج القضايا الإنمائية العاجلة لن تحل المسألة الأمنية وستظل منطقة الساحل عرضة للاهتزازات. "مراح" من جديد عادت الصحف الفرنسية، ومنها "ليبراسيون"، في مقال للكاتب "نيكولا ديمورو"، يوم الاثنين الماضي، للتطرق إلى حادثة محمد مراح الذي قُتل أثناء تدخل الشرطة الفرنسية، بعدما ارتكب جرائم قتل طالت مدنيين من بينهم أطفال ورجال دين. فبعد أربعة أشهر من محاصرة الشرطة لمقر اختبائه وتبادل الاشتباكات التي أدت إلى مقتله، ظلت العديد من علامات الاستفهام قائمة لتتناسل بعد ذلك نظريات المؤامرة حول طبيعة العلاقة بين الأجهزة الأمنية الفرنسية ومحمد مراح، وما إذا كانت ضالعة في قتله لإخفاء الحقائق. وحتى بعد الكشف مؤخراً عن الحوار الذي دار بين مراح وضباط الأمن الذين حاصروا المكان ودعوه إلى الاستسلام، لم تخمد كل التساؤلات، وإن كانت قد كشفت عن تعطش مراح للدم من خلال تأكيد رغبته في الاستمرار في الجرائم، والتباهي بما حققه، وهو ما يدل، كما يقول الكاتب، على ذهنية تفتقد للاتزان، وربما يعزوها العقل السليم. وبعد تسرب الحديث الذي دار بين الشرطة ومراح، سارعت العديد من الصحف، رغم المحاذير المهنية، إلى نشر ما جاء في المحادثة على بشاعتها، مبررين ذلك بضرورة كشف الحقائق وحاجة الفرنسيين إلى معرفة ما جرى. ورغم اتهامات وجهت للصحافة بالميل إلى الإثارة، دافع الصحفيون، ومن بينهم كاتب المقال، عن نشر كلمات مراح الذي رفض الاستسلام مفضلاً الموت على إلقاء السلاح، داعياً الأجهزة الأمنية إلى كشف المزيد من المعلومات، بل وإجراء تحقيق حول نجاح مراح في خداع الشرطة التي كانت تراقبه منذ مدة دون أن تتمكن من منع جرائمه. مصالحة بالدم وتسخر الصحفية "سيلين لوساتو"، في مقالها المنشور على صفحات مجلة "لونوفيل أوبسرفاتور"، يوم الجمعة الماضي، من الخطوات التي يقول الرئيس السوري بشار الأسد، إنه اتخذها لإجراء مصالحة شاملة في البلاد، بل وتعيينه وزيراً مكلفاً بالمصالحة، وذلك بينما تواصل قواته ارتكاب أبشع المجازر كتلك التي وقعت يوم الخميس في بلدة التريمسة وسقط فيها نحو 200 قتيل. الكاتبة تستعرض بداية الأحداث التي شهدتها البلدة البعيدة بحوالي 35 كلم عن حماه كما نقلها شهود عيان، حيث تعرضت البلدة طيلة اليوم السابق لقصف عنيف بالمدفعية والدبابات مدعومة بطائرات مروحية لتدك البنايات فوق رؤوس سكانها. وبعد ذلك اقتحمت قوات الجيش النظامي مصحوبة بميليشيات الشبيحة التي أجهزت على من ظل حياً من سكان البلدة. يحدث كل ذلك، تقول الصحفية، بينما يبذل المجتمع الدولي وأعضاء مجلس الأمن جهوداً دبلوماسية متواصلة لوقف نزيف العنف والضغط على النظام لإخراج الأسلحة الثقيلة من المدن، وهو مطلب على بساطته فشل المجتمع الدولي في التوافق حوله، مانحاً المزيد من الوقت لنظام لم يعد يأبه لسقوط الأرواح. فقد تقدمت المجموعة الغربية بقيادة فرنسا والولايات المتحدة بمشروع قرار في مجلس الأمن يطالب بسحب الآليات الثقيلة من المدن والبلدات السورية، وتحديد مهلة زمنية لا تتعدى عشرة أيام قبل توقيع عقوبات أممية على النظام. لكن روسيا وكعادتها رفضت تحديد المهلة، كما رفضت توقيع العقوبات، لينجو الأسد ونظامه من العقاب، وليواصل ارتكاب جرائمه! وتخلص الصحفية إلى الجهود الدبلوماسية الفاشلة التي بذلت حتى الآن، سواء في مجلس الأمن أو في إطار مهمة كوفي عنان إلى سوريا رغم جولاته المتعددة في المنطقة، مما يحتم على الدول المهتمة الشروع في البحث عن بدائل أخرى توقف الأسد عن الاستمرار في ارتكاب المجازر ضد شعبه. ذكرى سربرينتشا وتطرقت صحيفة "فرانس سوار" في افتتاحيتها خلال الأسبوع الماضي لإحياء البوسنة الذكرى السابعة عشرة لمجزرة سربرينتشا التي أودت بحياة أكثر من ثمانية آلاف مسلم، وهي مناسبة تقول الصحيفة لتدبر ما جرى واستعراض المأساة حتى لا تتكرر، لاسيما وأنه في كل مرة تحمل الذكرى السنوية المزيد من رفات القتلى الذين يتم اكتشافهم والتعرف على ذويهم ليدفنوا في مقبرة جماعية تضم رفات باقي القتلى الذين تم التعرف عليهم في السنوات الماضية، حيث تم دفن أكثر من 500 جثة هذه السنة، وما تبقى منها تم التعرف عليها من خلال تجارب الحمض النووي، لتتم مراسم صلاة الجنازة بإمامة مفتي البوسنة الذي أبى إلا أن يودع القتلى، كما تقول الصحيفة، بالدعوات والدموع. وترى الصحيفة أن المناسبة فرصة لتذكُّر ما جرى عندما دخلت القوات الصربية قبل أشهر قليلة على انتهاء حرب البوسنة عام 1995 مدينة سربرينتشا التي كان يفترض أنها منطقة آمنة تحت حماية جنود القبعات الزرق الهولنديين التابعين للأمم المتحدة، لكن ما جرى كان بعيداً كل البعد عن الحماية، حيث أوغل قادة الصرب في قتل المسلمين. ويبقى العزاء الوحيد، تقول الصحيفة، لهذه المأساة التي تعتبر الأسوأ في تاريخ أوروبا منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، تقديم الجناة إلى المحكمة الدولة الخاصة بيوغوسلافيا السابقة، وتأكيد قادة الدول، ومن بينهم الرئيس أوباما في خطابه الأخير بهذه المناسبة، على الجريمة باعتبارها إبادة جماعية كما حددتها الأمم المتحدة، وإدانة كل المحاولات الصربية الساعية إلى إنكار المجزرة. إعداد: زهير الكساب