ماذا يعني أن تحصد شخصية مثل محمد العريفي مليوني متابع في "تويتر"؟ وماذا يعني أن يصل متابعو "القرني" و"نبيل العوضي" إلى أكثر من مليون متابع؟ هذا يدل على أن رجال الدين أصحاب الأداء المعتدل الذين يخاطبون الشباب بلغة قريبة منهم، استطاعوا أن يكونوا قادة رأي يعتد بهم في الرأي العام العربي. وهذا يعني أن سطوة رجال الدين لم يتم فقدها مع مرور الزمن، ولم يتم فقد زخم حضورهم المؤثر في أوساط المجتمع حتى لدى الناس الذين لا يعتبرون أنفسهم من فئة المتدينين. وربما لو عدنا إلى "الربيع العربي"، لوجدنا أن وجود رجال الدين وحضورهم في وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي وتداول آرائهم، حفز من اشتعال الثورات وجعل منهم مرجعية يعودون إليها كلما عازهم رأي ديني أو رغبة في الوصول إلى تحفيز للاستمرار، وفي التأكد من أنهم ضحايا الحرية والدفاع عن العرض والأرض. هذه الأرقام المليونية تخبرنا أن الشباب العربي والمسلم يبحث عن إضاءات في طريق مستقبله، ويهتم بأن يكون طريقاً له علاقة بدينه، وأن تكون لديه مرجعية تعينه على الالتزام بتعاليمه. ورغم كل محاولات كثير من وسائل الإعلام وغيرها لجذب الشباب نحو الاهتمام بالتفاهات والحكايات الفارغة من سفاسف الأمور، فإن هذه الأعداد تشير إلى أن هناك شباباً يمكن الاعتماد عليهم وهم بحق بذرة لزرع رائع سيثري المستقبل، وسيكون لهم فرصة الإبداع دون أن نقلق من مرجعية متشددة دينياً تفسخ علاقة الإنسان بربه. هناك علاقة متداخلة بين هؤلاء وكيف يفكرون، وبين من لا يحسب لعقول هذه الفئة حساب الاحترام والتقدير...و هناك بسبب شبكات التواصل الاجتماعي قراءة واضحة لفكر الشباب الذي حسبناه ذا جهل، وأنه بعيد كل البعد عن الهم الوطني، ولا يعنيه من أمور الدنيا شيء، لكنهم اليوم يضعون لافتات تقول بعكس ذلك. فالبعد الإنساني متوافر لديهم، وقراءتهم لما يجري من أحداث بها نضج يعزز من حقيقة قناعاتهم بأنهم جزء من واقع سيأتي بمستقبل أفضل. وحجم المعلومات التي يتم تداولها تعكس أن لا شيء يكون سرياً هذه الأيام، ولم يعد هناك ملف لا يمكن طرحه أو إدارة السجال حوله، أو حتى استدعاء أرقامه وحقائقه. ورغم كل اللغط والأقاويل والإشاعات، وكل ما تبثه فلول الأنظمة، فإن الحقيقة تبقى واضحة وساطعة، ورغم كل تراكمات الأكاذيب، فإن الوضوح هو سيد الموقف. لذلك كان من الأهمية بمكان في بعض الدول العربية أن يحدث التصالح بين الشباب وحكوماتهم، وأن يدرك الكبار هناك أن الصغار لم يعودوا صغاراً تغريهم الحلوى أو لعبة مجانية ربما استمالت أهواءهم لفترة وجيزة. قراءة الشباب ومحاولة إدراك من الوعي والمعلومات التي يملكونها ميزة علينا الاستفادة منها في بناء قاعدة وطنية تهتم باستيعاب الطاقات وتقديرها ومنحها فضاء من الاحترام والحرية ليتم قطف ثمار كل هذه الأفكار والآراء.فالإقصاء أو التهديد أو التهميش لن يعود إلا بمزيد من النيران، لذلك كانت قراءة الأرقام شيئاً في غاية الأهمية لمعرفة ما خلف هذه الأرقام. هذه القراءة والتعرف على أساسها هي الفرصة الأخيرة في بعض بلدان العالم العربي لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، قبل أن يغرق الجميع في لجة بلا شاطئ.