أطفال النيجر... بين المجاعة وزواج القاصرات!
"بالكي سولي"، شابة من سكان هذه المنطقة، فقدت ابنها أثناء الولادة منذ عدة أيام. كان جسمها ضعيفاً وبالغ الهزال، بسبب نقص الطعام، لدرجة بدت معها وكأنها هي الأخرى على وشك اللحاق بابنها. ورغم ذلك قالت "بالكي" بصوت واهن وبنبرة خجولة، وهي ترقد على أرضية عنبر الولادة المزدحم في أحد المستشفيات البائسة هنا: "عندما أعود لقريتي فسوف أحاول أن أنجب طفلاً آخر".
الغرابة أن "بالكي" التي تقول هذا الكلام والتي لا تكاد تبلغ الرابعة عشرة من عمرها، قد تزوجت منذ عامين عندما كانت في الثانية عشرة. وهذه الظاهرة مألوفة، ليس في هذه القرية وحدها، وإنما في كافة مناطق النيجر التي تعتبر صاحبة أكبر معدل لزواج الأطفال في العالم، حيث تشير الإحصاءات إلى أن فتاة من كل فتاتين في النيجر تتزوج قبل بلوغ الخامسة عشرة من عمرها، بل توضح تلك الإحصاءات أن بعض الفتيات يتزوجن، وهن في السابعة من العمر!
ومع تفاقم أزمة الغداء التي تؤثر على ملايين البشر في دول الساحل الواقعة في غرب أفريقيا، فإن العاملين في مجال الإغاثة يخشون من أن تؤدي الأزمة، وتفاقم الجوع، إلى دفع بعض الآباء إلى التخلص من بناتهم عن طريق تزويجهم في سن أصغر من ذلك، للاستفادة من مهورهن التي تشمل نقوداً وماشيةً، كذلك في بعض الأحيان حسب التقاليد السائدة، كي يتمكنوا من البقاء على قيد الحياة في ظروف الأزمة المتفاقمة.
يقول "جنابو ماهوندي"، مدير إدارة حماية الأطفال باليونيسكو: "الخوف يكمن في أنه إذا ما استمرت أزمة الغداء الطاحنة التي تعانيها المنطقة بأسرها، فإن الآباء سوف يلجؤون إلى استخدام بناتهم كاستراتيجية للبقاء لدرجة يمكن معها أن نرى فتيات يتزوجن حتى دون أن يصلن سن الخامسة عشرة".
وفي النيجر، التي ليس لها منفذ بحري، ويوجد بها معدل نمو سكاني يعد من بين الأسرع على مستوى العالم، تعتبر أزمة الغداء الحالية، هي الحلقة الأخيرة في سلسلة من الأزمات التي تواجه هذه الدولة التي تعد من بين البلدان الأكثر فقراً في العالم. والجهود التي تبذلها النيجر في مكافحة تلك الأزمة تهدف في طياتها لمحاربة ظاهرة زواج الأطفال، في معركة تتصادم فيها القيم الحديثة، مع التقاليد القديمة التي تعود لقرون خلت.
ويشار في هذا السياق إلى أن حكومة النيجر قد سنت القوانين التي تحرم زواج الأطفال، وقامت بالفعل بالقبض على بعض الآباء الذين خالفوا قانون تحريم الزواج دون الخامسة عشرة، وزجت بهم في السجن.
وبالتزامن مع ذلك، يقوم الأخصائيون الاجتماعيون الحكوميون بجهود حثيثة، خصوصاً في المناطق النائية لتشجيع الفتيات على البقاء في المدارس، ومواصلة التعليم.
ورغم تلك الجهود، يبقى زواج الأطفال ظاهرة مرغوبة لدى العائلات في بقاع كثيرة من هذا البلد. وما تساعد على استمرار تلك الظاهرة عوامل، مثل معدلات الفقر المرتفعة، والأمية المتفشية، والأعراف القبلية، والرؤى الدينية المحافظة... وكلها عوامل يفوق نفوذها بكثير النفوذ الذي تتمتع به المراسيم والقوانين الحكومية الرامية لتحريمها.
وعدد الأطفال الذين تنجبهم المرأة في النيجر يبلغ سبعة في المتوسط... ونصف عدد السكان الذين يزيدون على 17 مليون نسمة في الوقت الراهن، ويتوقع أن يصلوا إلى 59 بحلول عام 2050 ، دون الـ 15 من أعمارهم.
ويتوقع الخبراء أن النيجر- وكذلك العديد من دول المنطقة التي تعاني انكماش مساحات الأراضي الصالحة للزراعة، ونقص كميات الأمطار المتساقطة، ومستويات التعليم المنخفضة- سوف تظل تعاني أزمات متواصلة، إذا لم تستطع الحد في الزيادة السكانية التي تتم بوتيرة سريعة.
والنيجر واحدة من أسوأ الأماكن في العالم بالنسبة للمرأة التي تريد أن تصبح أماً، حيث حلت في ذلك محل أفغانستان التي مزّقتها الحرب. وفي تقرير أعدته إحدى المنظمات غير الحكومية، جاء أن الفتاة في النيجر تدرس لمدة أربع سنوات في المتوسط، وتعيش في المتوسط 56 عاماً، وأن طفلا من بين كل سبعة أطفال في هذه البلد يموت في سن الخامسة أو قبلها، وهو ما يعني أن كل أم في النيجر معرضة لفقدان أطفالها مرة واحدة على الأقل، كما جاء في التقرير المذكور.
وفي طريقها لعيادة الولادة، نزفت "بالكي" بغزارة، وكادت تموت بالفعل. ويقول الأطباء إن طفلها لوعاش فإن وزنه كان سيكون أقل من المعدل الطبيعي بكثير، كما أن نموه البدني والذهني كان سيتأثر بالـتأكيد نتيجة لسوء التغذية.
والمشكلة هي أنه في بيئة تقدس إنجاب أكبر عدد ممكن من الأطفال، تجد "بالكي" نفسها مضطرة للعمل في الحقل، وفي المنزل، بالإضافة للإشراف على أطفالها، وتلبية احتياجات زوجها ومواجهة الضغوط الهائلة عليها من عائلتها وعائلة زوجها كي تنجب أطفالاً. فجدتها "أمينة آدو"، على سبيل المثال، تقول "إذا لم تذهب الفتاة إلى المدرسة، فما الشيء الذي ستفعله؟ لا شيء بالطبع سوى أن تتزوج وتنجب أطفالاً".
وتتدخل خالتها "سعا رابيو" في الحوار قائلة: "بعض صديقات بالكي ممن هن في نفس عمرها لديهن طفلان على الأقل".
-------
سودرسان راجافان
مارادي- النيجر
-------
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس"