منذ أكثر من عقد لم يتوقف الحديث عن محاولات المجتمع الدولي للخروج من الأزمة النووية الإيرانية كما خرج من هذا الحديث العديد من التصورات والأفكار ولكن تعتبر كلها دون جدوى. كثيرون رددوا سيناريو ضربة عسكرية كتلك التي حدثت مع المفاعل النووي العراقي في بدايات الثمانينيات بعد أن اعتقد صدام حسين أنه يعيش "الحصانة النووية" وبالتالي أصاب نظامَه الغرور بعد امتلاكه ذلك المفاعل، وهو ذاته تقريباً ما يحدث الآن مع النظام الإيراني. والبعض الآخر تكلم عن سيناريو الأزمة النووية لكوريا الشمالية ودور دول الإقليم الآسيوي والجوار الجغرافي؛ باعتبار بيونج يانج "حالة" خاصة ونظامها عنده الاستعداد لخوض حرب مع المجتمع الدولي، ربما لأن كوريا الشمالية ليس لديها من التنمية ما يدفعها لتجنب استعداء العالم؛ فهي جار مزعج حالها حال إيران. وثالث الآراء أن لإيران وضع آخر يختلف تماماً عن الأزمات الدولية في التعامل مع هذا الملف بعد أن استفاد الإيرانيون من أخطاء الآخرين من حيث استراتيجية توزيع المفاعلات ومن حيث تشعب الملفات الإقليمية وتوسعها من خلال حلفائهم من الحركات السياسية المنتشرة في الإقليم. والواضح في كل تلك السيناريوهات التي تتم مناقشتها بين حين وآخر أن لها علاقة بمطابخ السياسة الدولية ومصالح الدول الكبرى وصفقاتها المحتملة، كل هذا وسط قناعة تامة بأن هناك محاولات لإيجاد مخرج للأزمة "الممتدة". والحديث عن السيناريوهات، نظرياً، يدخل في إطار التحليل السياسي انطلاقاً من الوقائع واختلاف الرؤى، خاصة في ظل غياب الحل، وهذا واضح جدا في ملف إيران النووي حيث تُعتَبَر المستفيدَ الأول من كسب الوقت في تطوير برنامجها النووي والذي بات يقترب من مرحلة "الحصانة النووية"، وهي مرحلة يتخوف منها المجتمع الدولي لأن بعدها سيزيد الأمر صعوبة في التعامل مع إيران. هناك قناعة بأن الولايات المتحدة غير مستعدة للخيار العسكري مع إيران لأسباب كثيرة، وأن الصفقة السياسية هي الخيار الأرجح. وما يزيد من احتمالية الصفقة أن الولايات المتحدة أثبتت قدرتها على التعامل مع كل القوى بما فيها الإسلاميون وهو مؤشر يعيدنا إلى المقولة الشهيرة لرئيس الوزراء البريطاني تشرشل: "لا يوجد صديق دائم ولا عدو دائم... هناك مصالح دائمة". الجهد الدولي كما توضحه المحاولات الدولية منصب على تغيير أو تعديل الموقف الإسرائيلي والإيراني لتسهيل الصفقة. أصحاب هذه القناعة ينطلقون من التغيرات الحاصلة في المنطقة التي تؤكد أن الكثير من قواعد اللعبة تغير وأن إيران لن ترد على أي هجوم عسكري بشكل مباشر وإنما ستستخدم التعاطف الإسلامي للرد على إسرائيل أو القيام بالاعتداء على المصالح الأميركية في المنطقة عبر حلفائها من الحركات التي تمولها، وهي الحركات التي تعارض السياسة الأميركية في المنطقة؛ وبالتالي فأي خيار غير الصفقة سيكون مصيره "الانسداد السياسي" في المنطقة. مراوحة الملف الإيراني في مكانه غير ممكن في ظل حالة الحراك الحاصل في المنطقة والذي لا أحد يستطيع معرفة حدوده ومسألة وضع حد لهذا الملف "المرهق" تحتاج إما إلى حرب للفصل فيه وإما صفقة سياسية، والكثيرون يميلون إلى الصفقة، وفي السياسة كل الاحتمالات واردة خاصة في ما يخص الملف الإيراني المتداخل في بعضه. وتعد السيناريوهات من أساليب قراءة المشهد السياسي، وفي أحيان كثيرة قد لا يمثل أي منها قراءةً صحيحةً، لكنها مهمة لفهم المشهد عن قرب.