رغم انقضاء أكثر من 4 أشهر و10 أيام وهي الفترة التي حددها القانون كحد أقصى للمعتقلين السياسيين وتقديمهم للمحكمة، وانقضاء أكثر من هذه المدة على اعتقال الدكتور حسن عبدالله الترابي فإنه مازال رهين الحبس حتى كتابة هذه السطور. صحيح أنه نقل من السجن إلى مكان آخر ولكنه (حبس) على كل حال، وقد زاد في تفاقم الأمر أن الدكتور الترابي امتنع عن الأكل لعدة أسابيع إلا من تناول الأسودين (الماء والتمر) ثم رفع إضرابه عن الطعام متوقعاً أنهم سيطلقون سراحه، ولما لم يفعلوا عاد إلى الإضراب مرة أخرى منذ يوم الأحد الماضي الموافق 29 أغسطس.
عندما اعتقل الشيخ الترابي زعيم حزب المؤتمر الشعبي قبل شهور اعتقل معه عدد من مؤيديه من المدنيين والعسكريين وامتلأت الساحة يومذاك باتهامات أطلقها المسؤولون تؤكد أن الترابي ومجموعته تلك كانوا يدبرون لانقلاب عسكري أو إحداث تخريب يؤدي إلى فوضى تطيح بالحكومة. وبعد سلسلة من التحقيقات والتحريات انتهى الأمر بتقديم فريق من أولئك المعتقلين للمحاكمة التي لم تنتهِ بعد. ولما لم يكن هناك ما يبرر تقديم الدكتور الترابي للمحاكمة فقد اختير له البقاء سجيناً ولهذا كان احتجاجه بالعودة إلى سلاح الامتناع عن الأكل.
يتفق المراقبون المستقلون أن هدف الحكومة من كل هذا هو الإبقاء على الزعيم الذي قاد الحركة الإسلاموية في السودان خلال العقود الأربعة الأخيرة بعيداً عن أي نشاط سياسي أو دعائي لا سيما وقد ظل الدكتور الترابي (74 عاماً) منذ أن اختلف وانشق عن الحزب الحاكم يدلي بأقوال ويكشف عن أسرار وممارسات كانت خافية للنظام منذ أن استولى على الحكم قبل 15 عاماً. وكانت أحاديثه وتصريحاته وأنشطته السياسية كلها مثار قلق لا ينتهي لنظام الحكم الذي يجلس على قمته المشير عمر حسن أحمد البشير. الجديد اليوم أن إغلاق الأبواب في وجه الترابي لم يمنعه من إلقاء تصريح من الحجم الثقيل يتنبأ فيه بنهاية النظام القائم قائلا: إن الثورة على الحكومة الحالية في السودان باتت قريبة للغاية. وقال إنه يتوقع حدوث واحد من سيناريوهات ثلاثة هي: أولا: وقوع انقلاب عسكري تقوده القوات المسلحة. ثانياً: انتفاضة شعبية كتلك التي حدثت في أكتوبر 1964 أو في أبريل 1985. ثالثا: تدخل عسكري أجنبي يطيح بالحكومة الراهنة.
إن أقل ما يمكن أن يشار إليه في هذه المرحلة هو أن أجهزة نظام الحكم ليست كلها (المدنية والعسكرية) خالية مبرأة من وجود عناصر من مؤيدي الدكتور الترابي الذين يقفون خلفه سراً ولا يجاهرون بمعارضة النظام. وليس هذا اجتهاداً منا ولكنه تقدير صدر من الشيخ الترابي نفسه قبل حين. ثم إن القوات المسلحة السودانية ما عادت كما كانت قبل أن يستولي الإسلاميون على الحكم في 30/6/1989. لقد خطط أهل الإنقاذ ونفذوا مخططاً أبعد بضعة آلاف من الضباط وصار التعيين في هذه القوات يتم بالولاء للحزب الحاكم وقد تم هذا كله أو أغلبه في وقت كان الشيخ الترابي هو رجل النظام الأول وقائده المطاع.