الحل بالكلفة الأقل
بعد الضربة النوعية التي أصابت عدداً من رموز النظام الأمني في سوريا، فأصابت النظام نفسه إصابة خطيرة، تسارعت التطورات السياسية والأمنية. من المواقف الدولية المنطلقة من أن الضربة نقطة تحول كبير في الأزمة السورية، إلى الدعوات الغربية لتشكيل حكومة انتقالية، إلى القرارات العربية في الدوحة، ثم في المواقف في مجلس الأمن والأمم المتحدة، إلى تحركات المجلس الوطني السوري، ومواقف الدول المحيطة بسوريا. وأيضاً مواقف الدول الداعمة للنظام وبالتحديد المواقف الروسية والإيرانية وامتداداً الصينية.
فرنسا دعت إلى تشكيل حكومة انتقالية. مجلس وزراء الخارجية العرب الذي انعقد في الدوحة اتخذ قراراً في هذا الاتجاه. ودعا الأسد إلى التنحي وهو موقف عربي متقدم بل هو الموقف الأول الذي يعلن في هذا الاتجاه وقرر الذهاب إلى مجلس الأمن مجدداً وإذا كان فشل فالتوجّه نحو الأمم المتحدة تحت عنوان "الاتحاد من أجل السلام"، وذلك بناء على تجارب سابقة اعتمدت عندما كان مجلس الأمن يفشل في معالجة أزمات معينة. وهذا يعني فتح الباب أمام قرارات من الأمم المتحدة قد تدفع إلى تدخل خارجي بطريقة أو بأخرى دون قرارات من مجلس الأمن. وهذا ما أشارت إليه المندوبة الأميركية في المجلس سوزان رايس. وما أظهره موقف عدد من الدول الأخرى وخصوصاً بريطانيا. وتزامن ذلك مع تطورات ميدانية وسياسية ودبلوماسية أخرى تمثلت بحملة غير مسبوقة على مسؤولية النظام السوري عن الأسلحة الكيميائية الموجودة لديه، وخطر استخدامها ضد الناس في الداخل كما فعل صدام حسين في العراق ضد الأكراد، أو خطر تسليمها إلى "حزب الله" في لبنان، والتأكيد أن كل أجهزة المخابرات العالمية تراقب هذا الأمر وتستخدم كل الوسائل التقنية المتاحة لديها، وثمة استعداد للتحرك إذا ما ارتكب النظام حماقة في هذا المجال. تحركت روسيا وإيران فوراً. جاءت النصائح للمسؤولين السوريين بالانتباه إلى خطر هذه "اللعبة" التي قد تستدرج النظام إلى مأزق ومواجهة مع العالم. قال الناطق باسم الخارجية السورية جهاد مقدسي: "لن تستخدم الأسلحة إلا إذا هوجمت سوريا". كان عتبٌ عليه من قبل حلفاء وأصدقاء. "ما هكذا تخرّج الأمور. هذا اعتراف بوجود الأسلحة وإمكانية استخدامها. هذا القول لا يطمئن العالم" هذا ما قيل لهم. كذلك أصدرت روسيا موقفاً واضحاً متقارباً تماماً مع المواقف الدولية. صحيح أن هدف الموقف مختلف عن أهداف المواقف الأخرى لأنها متمسكة بحماية النظام تمسكاً بحماية مصالحها الحالية والمستقبلية في المنطقة. ولكن المسألة لم تنته بعد.
كذلك سجلت قرارات أوروبية غربية شددت العقوبات على كل من سوريا وإيران. وسجلت حركة انشقاقات عسكرية أكبر في صفوف الجيش السوري وفي بعض المواقع الدبلوماسية. جاء الإيرانيون. أكدوا التزامهم دعم النظام حتى النهاية. بل اعتبروا أن العملية التي استهدفت كبار المسؤولين الأمنيين "تقوي النظام" وتدفعه إلى التشدد، وأن الوضع في سوريا هادئ! كلام لافت جداً. ولكن نتيجته واحدة: اندفاع النظام في المواجهة بشكل شرس وتدميري أكثر ضد الناس والأحياء والمناطق السورية المختلفة لاسيما في دمشق وحلب. دمشق وحلب هما التطور الجديد البارز.
كان النظام يقول: إن دمشق وحلب لم تتحركا. هما معي تؤيدان الإصلاح وترفضان "الإرهاب". باتت المعارك في قلب دمشق وقلب حلب ولم تتوقف في المحافظات الأخرى. وسيطرت قوات المعارضة على معابر مع العراق. دبّت الفوضى. يمكن أن يدخل منها أي كان وأي شيء عسكري. وهذا مصدر قلق وتطور كبير خصوصاً لناحية العراق صلة الوصل بين سوريا وإيران والوضع في العراق ليس مستقراً بعد. ارتفعت وتيرة التعاون الإيراني العراقي. إيران تريد حماية واستخدام الساحة العراقية لحماية النظام في سوريا والمصالح الإيرانية. حصل هجوم دبلوماسي غير مسبوق على الدول المتهمة من قبل سوريا بتفجير مكتب الأمن القومي وتمويل المعارضة، وتمويل عمليات الانشقاق العسكرية والدبلوماسية وترافقت معها فوراً إشكالات وتحريك عدد من الفضائيات الممولة من قبل حلفاء دمشق لشن حملة ضد المعارضة السورية والدول الداعمة لها وللتخويف من إمكانية سيطرة بعض القوى المتشددة على أسلحة قد تساعد على ضرب المواقع المقدسة في العراق! هذا أمر خطير جداً بمعناه المذهبي.
أما التطور الأبرز أيضاً فجاء من الناحية الأردنية. الأردن الذي انتقد مواقف النظام السوري، قلق من الأسلحة الكيميائية. من "القاعدة" وتمددها في سوريا خصوصاً بعد سيطرة المعارضة على بعض المعابر، وأيضاً من تهجير الفلسطينيين الموجودين في سوريا إليه... وهنا تسجل ملاحظة مهمة وهي أن حرب مخيمات من نوع آخر تدور في سوريا تذكر بحرب المخيمات التي شهدها لبنان يوم كان السوريون يديرون الأزمة فيه... معارك مخيم اليرموك ليست عادية. تأثيراتها كبيرة على المستوى الفلسطيني والشعب الفلسطيني في الأردن ولبنان وفلسطين وتأتي الأحداث هذه في ظل خلافات القيادة السورية مع حركة "حماس" وبالتأكيد مع السلطة الفلسطينية، وقد خرج حسن نصرالله في ذكرى الانتصار في حرب تموز ليذكر الفلسطينيين بأن سوريا كانت معهم ولابد من وقفة وفاء معها اليوم!
ترافق كل ذلك مع حدث مهم وخطير حرّك الأتراك. الحديث عن تسليم الجيش السوري مناطق في القامشلي إلى حزب العمال الكردستاني لتخفيف الضغط عليه وسحب قواته إلى مناطق حساسة من جهة ولإشغال تركيا وتهديدها من جهة أخرى. تركيا تحركت بسرعة. هذا أمر مصيري. أردوغان قال: الأسد وعائلته سيرحلون قريباً. "ومن حقنا أن نتدخل لملاحقة المتمردين الأكراد داخل الأراضي السورية"! هذا أمر مقلق. يترافق مع أزمة لبنانية سورية بسبب الانتهاكات السورية المتتالية للأراضي اللبنانية على الحدود الشمالية والبقاعية. فماذا لو قالت سوريا: يحق لنا ملاحقة "المتمردين" السوريين داخل الأراضي اللبنانية"؟
في ظل هذه المواقف والتحركات. سوريا نحو مزيد من الدمار والخراب المبرمج. ومزيد من الضعف والفقر والتهجير وتفكيك الدولة وقد بدأ الحديث عن إعادة الإعمار والخصخصة فيها وهي مسألة ستكون طويلة ومكلفة وآثار ما يجري خطيرة جداً. وكلما طال أمد الأزمة كلما زادت التكلفة والمخاطر. وهنا مسؤولية الدول والقوى الداعمة للنظام في الدعوة إلى إنهاء الأمر ما دام الجميع يقر بعدم التمسك بالنظام.
فالحل بالكلفة الأقل!