وهن الدول النامية اقتصادياً
بإلقاء نظرة على ما يحدث لدول العالم النامي اقتصادياً نتيجة للأزمة الاقتصادية العالمية الحالية يلاحظ الوهن الشديد الذي يصيبها على صعد الاقتصاد والمؤسسات والطاقات البشرية والموارد. وعندما يتم الجمع بين مظاهر الوهن وبين التناقضات والتفسخ والفساد التي تلم بمواردها الطبيعية فإن ذلك يعزز احتمالات المستقبل الكارثي الذي ينتظرها. وتوجد عوامل معقدة للأسباب التي أدت بتلك الدول إلى تجاهل وإهمال مشاكلها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية والاستراتيجية بحيث أصبحت متداخلة في بعضها بعضاً إلى درجة الفوضى. وذلك التداخل يشكل في حد ذاته نسيجاً جوهرياً مهماً ولكنه معطوب ويصعب إصلاحه إلى حد بعيد أو حتى ترقيعه أو إعادته إلى حالته الطبيعية.
وعادة ما تجد حكومات العديد من تلك الدول أن التصدي لهذه القضايا أمر يفوق إمكانياتها الاقتصادية والسياسية وطاقاتها البشرية المتاحة. وإضافة إلى ذلك فإن معظم الموارد الطبيعية، خاصة في إفريقيا جنوب الصحراء، ليست تحت سيطرة الحكومات الوطنية، بل تخضع لسيطرة جهات خارجية، أو للأقاليم أو أحياناً لأفراد متنفذين. ولذلك يلاحظ أن الحكومات المركزية تنادي بإيجاد نظم عالمية مناسبة للمحافظة على تلك الموارد والتصرف فيها بطرق مفيدة لكافة الأطراف الداخلة في تلك اللعبة.
وتجدر الإشارة إلى أنه عادة ما تختلف النظرة في الأقطار الأقل نمواً إلى قضايا الأمن الوطني بحيث إن نظرة الحكومات لا تتطابق مع نظرة المجتمعات، بمعنى وجود انقسامات واضحة في نظرة كل طرف. وينشأ هذا الانقسام بسبب عوامل اقتصادية وثقافية معقدة: فأولاً، يوجد تراث محلي من الكفاح ضد الاستعمار بما في ذلك الاختلاف في النظرة إلى وسائل ذلك الكفاح بين الفصائل التي اضطلعت به. ثانياً، يوجد سعي مستمر من قبل الفقراء والمعوزين للتخلص من فقرهم وعوزهم. ثالثاً، توجد عناصر خارجية تفعل فعلها في تأجيج المشاكل، كالخلافات الحدودية، وحول مصادر المياه والموارد الطبيعية. وهناك أيضاً صراعات تنشأ لأن الأطراف الداخلة فيها تهدف إلى فرض هيمنتها على بعضها بعضاً، وتتدخل القوى الخارجية لتأجيج تلك الصراعات لأن لها مصالح خاصة وراء ذلك. والواقع هو أن الأقطار النامية لا تستطيع تحمل تكاليف هذا النوع من الخلافات فتحاول تحقيق التوازن والاستقرار في علاقاتها الخارجية.
والمقلق في الأمر هو أن هذه الأقطار هي الأكثر تعرضاً للمشاكل الاقتصادية لأنها تعتمد بشكل مباشر على الموارد الطبيعية وتفتقد إلى الخبرة ورأس المال اللازم للانتقال إلى أنماط أخرى من النشاط الاقتصادي المدر للدخل عندما تنضب مواردها الطبيعية. وتتكون المشاكل التي تواجه الدول النامية من منظومات ثلاث هي نمو عدد السكان السريع، وتبني خطط غير مدروسة لإدخال التنمية الصناعية إلى الاقتصاد، واختيار أنماط تكنولوجية غير مناسبة لطبيعتها. وهذه المشاكل ليست جديدة، ولكن الجديد هو التزايد غير المنضبط في حجمها ونطاقها وأنواعها التي أصبحت تفوق قدرة تلك الأقطار على إيجاد حلول لها.
ويقودنا هذا الحديث إلى ذكر أن الأقطار النامية لا تستطيع حل مشاكلها الاقتصادية عن طريق خططها ومبادراتها الذاتية، ولابد من الاضطلاع بعمل جماعي عالمي حيال ذلك إما عن طريق إقامة منظمة عالمية جديدة تضطلع بهذا الأمر، أو باللجوء مرحلياً إلى الأمم المتحدة وهيئاتها الاقتصادية المتخصصة التي لديها الخبرة الكافية للقيام بذلك عن طريق إقامة إدارة جديدة توفر لها الإمكانيات اللازمة لإنجازها. وما لم يحدث ذلك فإن الدول النامية الفقيرة ستسير من سيئ إلى أسوأ وستسير البشرية إلى كوارث فقر وجوع جديدة تقضي على ملايين البشر.