كثر اللغط حول مسلسل (عمر) ما بين مؤيد له ومعارض. وكُتبت مئات المقالات عنه، حتّى وصل الأمر إلى قيام مجموعة من المتشددين بالتجمّع أمام محطة مجموعة MBC بالرياض، تنديداً بعرض المسلسل والمطالبة بوقف عرضه. رجعتُ بذاكرتي إلى الوراء إبان تصوير فيلم الرسالة الذي أخرجه العقاد أواخر القرن العشرين، وقد أثار وقتها جدلاً كبيراً بسبب تجسيد مخرج الفيلم لعدد من الصحابة، وهو ما دفع مراكز إسلاميّة كثيرة، من ضمنها الأزهر الشريف، إلى إعلان رفضها القاطع تجسيد شخصيات الصحابة، وأنّ في ذلك تطاولاً عليهم، وعلى الأخص الخلفاء الراشدين. الشيخ محمد متولي الشعراوي، المعروف بعمقه الديني ونظرته المعتدلة للكثير من الأمور الفقهيّة الحياتيّة، أبدى إعجابه حينها بفيلم الرسالة ولم يعترض وقتها سوى على بعض مجريات الأحداث التاريخيّة، مطالباً بتصحيحها قبل العرض. وفي رأيي أن هذا الشيخ المتنوّر عقائديّاً لو كان يعيش بيننا اليوم، لما أبدى اعتراضاً على عرض مسلسل الخليفة عمر بن الخطّاب. اليوم فيلم الرسالة يُصنّف ضمن الروائع العالمية الخالدة التي عرّفت الكثيرين في الغرب بالديانة المحمديّة، لكننا كعادتنا نُصر على الصراخ والندب على اللبن المسكوب دون سبب وجيه! ونتمسّك بالقشور وترك اللب بحجّة أن فيه إهداراً لقيمنا الدينيّة وخدشاً لهويتنا الإسلامية! أعود إلى مسلسل عمر، حيثُ أضحكني الحديث الذي دار حول ديانة الممثل الذي قام بأداء شخصية الخليفة عمر، وأنه مسيحي الديانة! منكراً البعض بشدة هذا الاتهام وأن الرجل مسلم الديانة. وحقيقة لا أعرف ما الضير إن كان الرجل مسيحيّاً أم مسلماً! فالعديد من الممثلين الذين شاركوا في فيلم الرسالة بنسخته الإنجليزيّة أدّوا شخصيات الصحابة بإتقان شديد، دون أن يُسيئوا لها من قريب أو بعيد! الشيخ عادل الكلباني المعروف بمواقفه الجريئة وفتاويه المتزنة، والتي تُثير دوماً اللغط من حوله، أيّد بث المسلسل ورأى أن عرض سيرة الخليفة عمر تلفزيونيّاً سيكون لها مردود إيجابي، وستدفع الكثيرين من الذين يجهلون سيرته العطرة إلى معرفتها وإلى تذكير الأمة بمناقب هذا الصحابي الجليل. هذا الانقسام الظاهر ما بين مؤيّد ومعارض لتجسيد الصحابة في المسلسلات والأفلام التاريخيّة، ما هو إلا تكملة للانشقاق الحاد الفكري والطائفي والعرقي الشائع في مجتمعاتنا العربية والإسلاميّة! والذي تغلغل للأسف داخل أدمغة الناس، وشغلهم بأمور لن تُقدّم أو تؤخّر شيئاً في حياتهم الدنيويّة! هناك من يرى بأن تجسيد شخصيات الصحابة سيضر بهيبتهم، وستقبع في ذاكرة الناس صورة الفنان الذي أدّى الشخصيّة! وهذا كلام خاطئ كون المسلسلات والأفلام التاريخيّة والفنون بصفة عامة صُنعت لإمتاع الناس من جهة، ومن جهة ثانية هي فرع مؤثّر وفعّال من فروع الثقافة لتوسيع مدارك الناس وتعريفهم بتاريخهم. كنتُ قد شاهدتُ مسلسلاً إيرانيّاً مدبلجاً عن النبي يوسف، وكان بحق من أروع المسلسلات التاريخيّة التي شاهدتها في السنوات الأخيرة، ولم يدر بخلدي وأنا أتابع المسلسل أن الممثل الذي أدّى الدور شبيه بسيدنا يوسف، بل أعترف أنه أمدني بمعلومات كثيرة كنتُ أجهلها عنه، وهنا تكمن حلاوة العمل الدرامي التاريخي بأي جنسية كان. نحن نصرُّ دوماً على إلهاء مجتمعاتنا بغمسها في قضايا سطحيّة سينتهي اللغط حولها بعد أن ينفضّ المولد وتتفرّق الجموع! دون أن نفكّر في قيمة هذه الأمور على تثقيف عقول أجيالنا الصاعدة التي لا تفقه شيئاً عن تاريخها إلا ما تدرسه على مقاعد الدراسة! ألم يحن الوقت لإزاحة الستار عن التجمّد والتحجّر ونتعامل مع قضايانا الدينيّة برحابة صدر وفكر واعٍ؟!