الصين والهند... صِدام قادم!
تصاعد التوتر في بحر جنوب الصين بين الصين وعدد من البلدان، من الفلبين إلى فيتنام وماليزيا وتايوان... ووصل الآن إلى عتبة باب الهند. وعلى الرغم من أن الهند ليست لديها أي مطالب إقليمية في المياه المتنازع عليها في بحر جنوب الصين، إلا أنها انخرطت -وذلك بالنظر إلى احتياجاتها المتزايدة من الطاقة- في عمليات التنقيب عن الغاز في البحر قبالة سواحل فيتنام.
وقبل شهرين من الآن، كانت الهند مستعدة للتخلي عن أنشطة التنقيب هناك، وذلك لجملة من الأسباب؛ حيث خلصت "شركة النفط والغاز الطبيعي الهندية" المملوكة للدولة، التي وصفت قرارها القاضي بإنهاء عمليات التنقيب باعتباره قراراً "تجارياً محضاً"، إلى أن احتمال إيجاد محروقات يظل ضئيلا مقارنةً بالكلفة المرتفعة لعمليات الحفر والتنقيب في قاع البحر الصخري في حوض "نام كون سون" قبالة السواحل الجنوبية لفيتنام.
والجدير بالذكر هنا أن الهند استثمرت 46 مليون دولار حتى مارس 2011 في المربع رقم 128 داخل تلك المنطقة البحرية، لكنها مازالت منخرطة في أنشطة التنقيب في مربع ثالث يدعى المربع 06، وهو عبارة عن حقل غاز في حوض "نام كون سون" نفسه. وقد اتُّخذ قرار الانسحاب بعد القيام بدراسات وتقييمات مالية واستراتيجية حول قدرة استمرار وجود الهند في المياه قبالة ساحل فيتنام.
لكن في جزء من منطقة تُعتبر فيها الهند قوةً مضادة للصين، فإن فيتنام التي تشدد على أن المربع يقع ضمن مياهها الإقليمية، لا ترغب في السماح للهند بالانسحاب. وبدلا من ذلك، قدمت هذه الأخيرة تحفيزات للهند من أجل الحفاظ على اهتمامها بالمربع؛ وبالتالي ضمان الوجود الهندي في وقت يتميز بتصاعد التوتر مع الصين. وفي هذا الإطار، قامت فيتنام بتمديد عقد من أجل التنقيب انتهى قبل عامين مع الهند؛ كما قدمت لها بعض المعطيات الجيولوجية التي تشير إلى إمكانية وجود احتياطيات ضخمة من الغاز في المربع. وبالتالي، فمن الواضح أن فيتنام، وبعد أن اصطدمت بالصين حول مشاكل تتعلق بالسيادة، ترغب في الاستفادة من وجود الهند بغرض التخلص من المطالب الصينية. ومن الواضح أنه أمام جنوح الصين المتزايد إلى فرض نفسها وتأكيد قوتها، فإن الهند أيضاً تريد الحفاظ على وجودها في المنطقة التي تكتسي أهمية استراتيجية بالنسبة للهند في نهاية المطاف.
غير أن ذلك لا يعني أن الصين لا تحتج على الأنشطة الهندية هناك. ذلك أنه سبق لبكين أن حذرت نيودلهي في الماضي من عمليات التنقيب المشتركة مع فيتنام في بحر جنوب الصين، واصفةً إياها بأنها انتهاك للسيادة الصينية. وبلغت الأمور أوجها العام الماضي عندما تلقت سفينة حربية هندية، كانت تعمل قبالة سواحل فيتنام، تحذيراً من سفينة حربية صينية من أنها توجد في المياه الصينية. وحينها، تجاهلت الهند التحذير بكل بساطة. غير أنه بالنسبة للهند، والتي تحث البلدان المعنية بالنزاع في تلك المنطقة على حل الخلافات عبر الحوار الدبلوماسي، فإن ذلك يمثل مجالا جديداً للاحتكاك مع الصين، التي لها معها أصلا مشاكل ونزاعات على الحدود الشمالية الشرقية للهند.
وبذلك يمكن القول إن المشاكل تسير نحو مزيد من التعقيد في وقت تبدو فيه الصين، وعلى الرغم من الضغط الدولي المتزايد، غير مستعدة للتراجع أو سحب مطالبها الإقليمية في البحر، الذي يعتبر طريقاً تجارياً مهماً.
وعلى الرغم من أن الهند كان لها وجود هناك، وكانت تنقب في المربع منذ بعض الوقت، إلا أن الصين تناولت الموضوع مباشرة؛ حيث أعلنت الشركة الوطنية الصينية للنفط البحري، الشهر الماضي، عن مناقصة تدعو فيها الشركات إلى تقديم عروضها للتنقيب عن النفط والغاز في تسعة مربعات، تشمل المربع الذي تقوم بالتنقيب فيه حالياً الشركة الهندية، وهو ما يضع الهند في قلب النزاع تماماً. وعليه، فيمكن القول إن الأمور من المتوقع أن تزداد تعقيداً وتفتح جبهة جديدة من التوتر بين الصين وفيتنام.
وفي المنتدى الإقليمي لـ"آسيان" الذي عقد في كمبوديا الأسبوع الماضي، قالت الهند في معرض حديثها عن بحر جنوب الصين إنه ينبغي أن يكون ثمة "وصول إلى الموارد وفقاً لمبادئ القانون الدولي". إلا أنه مما لا شك فيه أن المطالبات المتنافسة بخصوص بحر جنوب الصين أخذت تتحول الآن إلى نقطة ساخنة في المنطقة. على أن الموضوع من المتوقع أن يزداد تعقيداً في ظل توجه نيودلهي نحو اتخاذ قرار حاسم حول ما إن كان ينبغي التعاطي مع الصين بشكل مباشر أم لا. ومن الواضح أن الصين ليست مستعدة للتراجع عن مطالبها الإقليمية في بحر جنوب الصين، حيث كان ذلك واضحاً جداً خلال مؤتمر "آسيان". أما بالنسبة للهند، فهي مطالبة بأن تقوم بحساباتها وتقرر ما إن كانت مستعدة لفتح جبهة جديدة مع الصين في وقت يجمعها بها أصلا نزاع حدودي معقد يمثل مصدر تشنج دائم في علاقاتهما.
بيد أن الشيء الجيد الوحيد هو أن الصين تمثل الشريك التجاري الأول للهند، والبلدان قاما على مر السنين بتنسيق جهودهما من أجل عدم السماح للخلافات السياسية بالتأثير على علاقاتهما الاقتصادية. ثم إنه ما من شك في أنهما، وبموازاة نموهما الاقتصادي، سيصطدمان على نحو متزايد بأحدهما الآخر، ليس فقط في بحر جنوب الصين، ولكن أيضاً في أجزاء أخرى من العالم. ولأن الأسباب الاستراتيجية والتجارية والطاقية مترابطة ومتداخلة، فإن منع الاحتكاك من التأثير على العلاقات الثنائية، سيشكل تحدياً حقيقياً بالنسبة للهند والصين.