غريب جداً وجود أشخاص وجهات ما يزالون يعطون أنفسهم الحق في الحديث نيابة عن الشعب والادعاء بأنهم يمثلونه، ويعبرون عن إرادته، فيقولون إن الشعب يريد أو الشعب غاضب أو الشعب غير راضٍ... وهناك من لا يتوقف عن ترديد أنه من خيرة أبناء البلاد وأخلصهم.. كل ذلك باسم الشعب! ويصر البعض على الادعاء بأنه يمثل الشعب، أو أنه يعبر عن مطالب الشعب! فمن أين حصل هؤلاء على هذا الحق وكيف؟! اعتقدنا أن زمن الكذب والادعاء على الشعوب واختطاف إرادتها قد ولى وانتهى، فاليوم عندما يريد الشعب شيئاً فإنه يقوله بنفسه، لا يحتاج إلى وسيط ولا إلى شخص أو جهة أو ممثل يطالب نيابة عنه بحقوقه. في بعض الدول العربية ظل السياسيون يسرقون كلمة الشعب وإرادته لسنوات طويلة، وفي بعض الدول كان رجال الدين أوصياء على الشعب ومواقفه وتصرفاته، وفي دول أخرى تحكم رجال الأعمال والتجار في حياة الشعب واختياراته، أما اليوم فلم يعد الأمر كالسابق، فلا السياسيون ولا رجال الدين ولا رجال الأعمال ولا حتى المثقفون يمتلكون زمام الشعوب كما كان في السابق. فالشعب أصبح يعرف ما يريد، لذا فمن يريد أن يكون الشعب معه فعليه أن يكون قادراً على إقناعه وليس اختطافه. الادعاء والاستمرار في الكلام بلسان الشعب بدون تفويض لم يعد مجدياً. ففي هذا الزمن الذي نعيشه، أصبح كل من لديه كلمة أو رأي أو يتفق مع أمر أو يختلف معه، يستطيع أن يقوله بوسائل عديدة ومختلفة، ولا يحتاج إلى من "يتبرع" ليمثله أو يقول نيابة عنه ما يريد. ونحن نعيش في عام 2012، هل يمكن أن نقتنع بأن الشعوب ما تزال غير قادرة على التعبير عما تريده؟ هل من المنطق الادعاء بأنها غير قادرة عن توضيح رأيها في قضية ما مهما كانت صغيرة أو كبيرة؟ لا يبدو ذلك منطقياً. وإن اتفقنا أنه قبل سنوات بعيدة أو حتى قريبة لم يكن الشعب يستطيع قول ما يريده فلا يمكن أن نقتنع اليوم بأنه ما يزال كذلك. يزعمون أن شعب الإمارات غاضب بسبب إلقاء القبض على مجموعة يتم التحقيق معها حالياً، والحقيقة -وإن كان هناك بعض أقرباء ومن يعرفون أولئك الأشخاص غاضبين أو متحفظين- فإن أغلب الناس يرى هذه الصورة واضحة. فبعد حالة الصدمة من وجود فئة متهمة بـ"التخريب" في الإمارات، اختارت الأغلبية انتظار ما ستسفر عنه التحقيقات. حتى أولئك المتعاطفين لا يريدون اتخاذ أي موقف إلا بعد أن تتضح الصورة بشكل كامل، فالشعب يريد تطبيق القانون ولا يقبل بغير ذلك، ويريد منع الظلم عن أي طرف سواء الوطن أو المواطن. الإنسان الإماراتي يمتلك علاقة خاصة جدا لا يفهمها الكثيرون تربطه بأرضه، وبدولته، وبأبناء شعبه، وبقيادته، لذا فإن الاختراقات المستمرة التي واجهها المجتمع منذ عقود وما يزال تشهد لهذا الشعب بالانتماء والولاء لأرضه، فمعدن أهل الإمارات يظهر بشكل واضح في الشدائد. واليوم يتكاتف الإماراتيون أمام الفتنة التي تسبب بها البعض، ولم يقبلوا بما حدث، لأن الظاهر إلى الآن أن ما قامت به فئة من المواطنين هي أفعال غير مقبولة، وستتضح الحقيقة كاملة وسيبقى الشعب متماسكاً وسيبقى ملتفاً حول قيادته، وهذا ما يجعل البعض مندهشاً من شدة إيمان هذا الشعب بنفسه وبوطنه، وهذا ما يجعل من أصبحوا في دائرة الاتهام حائرين من عدم وجود من يقف إلى جانبهم، ولا يجدون من يقف معهم إلا "الغرباء" من خارج الوطن، الذين ربما هم مخدوعون، أو يقفون مع أولئك لأسباب تخصهم. ردة فعل وموقف الشارع الإماراتي فاجآ المتآمرين، وأربكا المتربصين، فالتماسك الذي يواجه به المجتمع الإماراتي القضايا التي يمر بها الوطن لا يفهمه الكثيرون، ويعجزون عن تحليل موقفه، فضلا عن أن الكلام يصبح في هذا الوقت صعباً. فالمواطن الإماراتي يصول ويجول، يتقدم ويتأخر، يوافق ويعترض، يقبل ويرفض، يهادن ويهاجم... لكن عندما يكون الأمر متعلقاً بوطنه الإمارات فإنه يتوقف عن كل شيء ويتجرد من كل شيء إلا من كونه "إماراتياً" وكون الإمارات خطاً أحمر على الجميع أن يحترموه ولا يتجاوزوه. تاريخ الإمارات حافل بمواقف الإماراتيين الوطنية؛ ففي نهاية الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي عندما اتفق حكام الإمارات على إقامة دولة الاتحاد وقف الشعب مع القيادة، وسار خلفها مؤمناً بهذا الحلم الكبير، إلى أن تحقق، وبعدما تحقق وواجه العقبات والصعاب وقف الشعب إلى جانب القيادة صفاً واحداً لمواجهة التحديات وليبقى الحلم صامداً... فنجح في ذلك. وعندما احتلت القوات الإيرانية الجزر الإماراتية دافع أبناء الإمارات عنها بأرواحهم، فبقيت قضية الجزر حية إلى اليوم بسبب دفاع شعب الإمارات وتمسكه بأرضه. لم يتردد شعب الإمارات في التضحية في وقت الحقيقة، فقد وقفوا صفاً واحداً وارتدوا الزي العسكري متطوعين في جيش وطنهم ومستعدين لمواجهة أي عدوان قد يأتي على بلدهم أثناء غزو صدام للكويت قبل عشرين عاماً. هذه بعض المواقف وهناك الكثير ولا يَستغرِب موقفَ الشعب الإماراتي من أي محنة يمر بها إلا من لا يعرفه.