يوم الجمعة الماضية كان عنوان صحيفة "الاتحاد" الذي تصدر الصفحة الأولى "وطننا لا مثيل له، ومن الضروري حماية أمنه واستقراره". وفي تفاصيل هذا الخبر أن صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة أكد أن إجراءات توقيف المخربين تستهدف العلاج لا التصعيد من أجل حماية الدولة وأمنها والحفاظ على استقرارها والإنجازات التي حققتها. مجتمع الإمارات بكامله يعيش شعوراً يشبه الصدمة من تجاوزات المعتقلين لأعراف الدولة، والتي كشفتها التحقيقات بأنهم على ارتباط بتنظيمات وأحزاب خارجية ووجود مخططات تمس أمن الدولة، بل هناك صعوبة كبيرة في فهم دوافع تطاول البعض منهم على "وطن مثل الإمارات"، حيث أكدت ذلك تصريحات القيادات السياسية الإماراتية ومعهم الرأي العام الإماراتي. فمسألة الولاءات الجزئية والانتماءات العابرة للحدود مسألة غريبة وغير عادية في مجتمع مترابط يفخر بقيمه وعاداته كمجتمع الإمارات. في كل مجتمعات العالم توجد هفوات أو سقطات، من بعض متجاوزي قواعد المجتمع وقيمه، تنال من صورة بلدهم، لكن عندما تتحول قناعات بعض الأفراد لتترجمها سلوكياتهم العادية في محاولة لمسّ استقرار المجتمع والدولة وزعزعة استقراره، حينها يتطلب الأمر تدخلاً فورياً حازماً لإعادة الأوضاع إلى طبيعتها، وفيما عدا ذلك قد يكون مستقبل الوطن هو الضحية الأولى. وعندما يتصرف بعض أفراد المجتمع تصرفات غير عادية قد تخرب ما حققته الدولة من إنجازات، فهذا يعني أنهم متغيبون؛ وبالتالي وجبت إفاقتهم من غفوتهم وعلاجهم لعودتهم إلى الوطن الاستثنائي؛ دولة الإمارات. الاعتقال كان آخر الحلول، وكان لابد منه بعد أن فشلت كل محاولات الإقناع الأخرى بترك قناعات تتجاوز حدود الدولة. وهذا الإجراء كان ضرورياً بعد أن توافرت معلومات لدى القيادات الأمنية في الدولة، وأدرك الجميع أهمية استدراك الوضع والسيطرة عليه قبل فوات الأوان. تدخّلُ حاكمِ الشارقة كشف عن نهج قادة الإمارات وأسلوبهم الأبوي في معالجة قضايا المجتمع، بما فيها الحساسة، فإلى جانب أنه يؤكد أن القرارات التي سوف تتخذ ضدهم ستكون نابعة من القناعة الإماراتية دون غيرها ودون حسابات من يحاولون التدخل فيها، فإنه تضمّن معنى التأكيد من جانب سموه على استمرار الزمن الجميل الذي كان فيه الإنسان الإماراتي يستمع إلى نصائح القائد الوالد، وهو ما يؤكد الخصوصية الإماراتية في كل شيء، ليس فقط في التنمية بل في احتواء المشاكل. وتدخلُ سموه كان رداً عملياً للذين كانوا غير مقتنعين بأن هناك قضايا تتصف بالعالمية؛ ومنها التي يطالب بها المعتقلون -الحريات العامة والديمقراطية بهدف دغدغة الرأي العام الغربي فقط- لكن يمكن التعامل معها وعلاجها وفق النهج الإماراتي. استخدام الشيخ سلطان لمفردات لم تعتدها المجتمعات الأخرى يؤكد الخصوصية الإماراتية؛ فهو طلب "العذر" من أمهات المعتقلين من أجل إصلاح أبنائهن الذين طالبهم أن يزيلوا البقع السوداء في قلوبهم، وهذا أمر مهم يبين أن الإمارات لا تتعامل بالأسلوب الأمني البحت مع أبنائها وهي تنتظر منهم العودة إلى صوابهم والتراجع عن خدمة الملفات الخارجية. كما يتوقع أن يعمل خطاب سموه على سحب البساط من أولئك الذين اعتادوا التصيد في الماء العكر من خلال تشجيع الخارجين على القانون في مجتمعات بلادهم واستخدامهم لأغراض "ليست للوطن". الإمارات وطن استثنائي، أو كما قال حاكم الشارقة، "لا مثيل له" أمام كل الأوطان العربية والأجنبية، واستثناءاتها فيما تقدمه لشعبها إذ نجد أنها توفر الحياة الكريمة والأمن والأمان دون أي ضغوط أو مطالب شعبية أو خارجية، بل تقدمها من واقع الرغبة في إسعاد الإنسان فقط وتعمل قيادتها على توفير كافة أساليب الراحة. ومن الاستثناءات في هذا الوطن الذي لا مثيل له، وهذه حقيقة، أن القيادة الإماراتية تتمتع بالنفس الطويل والصبر الجميل على أبنائها حتى الذين تم إغواؤهم من أصحاب الأجندات الخارجية، ولم تلجأ قط إلى الأسلوب الأمني أو القمعي بحقهم. لكن عندما يتطلب الأمر ذلك وتكون مجبرة عليه بعد أن تستوفي كل المحاولات فإنها لا تتأخر عن مصلحة المجتمع. ومن الاستثناءات أن القيادة السياسية لا تتسم بالتعالي ولا الترفع عن المواطن أو الإنسان، ويكفي أن حاكم الشارقة طلب العذر من أمهات المعتقلين، رغم أن الفعل الذي قاموا به يعطي السلطات السياسية كل الحق في اتخاذ الإجراءات المناسبة. لا شيء يدعو للدهشة والاستغراب في طريقة تعامل حكام الإمارات ومخاطبة ذوي المعتقلين باعتبار أن ذلك ما اعتدنا عليه في دولة الإمارات في علاقة الحاكم بالمحكوم؛ وبالتالي لنا خصوصيتنا التي ستؤكد للجميع أنها نموذج في علاج من "ران" على قلوبهم في المجتمع، بل هذا شيء طبيعي متوقع لدى من يعرف أسلوب حكام الإمارات في التعامل مع شعبهم. الفكرة أن هناك أفراداً في المجتمع الإماراتي تجاوزوا التقييم الموضوعي لما حققته دولتنا خلال العقود الأربعة، وأصبحوا نتيجة لقناعتهم الأيديولوجية والدينية غير قادرين على الرؤية الصائبة لحقيقة ما حدث في دولة الإمارات التي كان الكثيرون يشككون في استمراريتها ليومين (كما قال الشيخ سلطان في مداخلته الشهيرة)؛ من طفرة تنموية في كل مجالات الحياة حتى باتت مقصد كل شعوب العالم. وأعتقد أنه من واجب أي دولة تجاه من يغمضون أعينهم عما حدث فيها من قفزات تنموية أن تعيد إصلاحهم وتوضح لهم الحقيقة وهو ما فعلته الأجهزة الرسمية ذات الاختصاص في الدولة حتى لا يبقى الأمر كمن ينكر وجود الشمس في وضح النهار. وعلينا كمواطنين عاديين ومتفاعلين على مواقع التواصل الاجتماعي من تويتر وفيسبوك، إدراك أن الحملة الأمنية والضجة المثارة على ما تم الإعلان عنه من اعتقالات جاءت بعد أن كشفت الأجهزة الأمنية بأن هناك "خلية" ضد الدولة في الخارج وبالتالي فهي تخفي وراءها أغراضاً وأهدافاً غير حسنة ومن ثم لا يجب أن نندفع لمسايرة ما يكتبه أصحاب "المختصرات" من العناوين بل وجب فهم الصورة كاملة من خلال ما تعلنه الدولة عبر قنواتها الرسمية والثقة فيما تنشره. لو نظرنا بموضوعية فسنجد أن تلك الحملة خطوة إيجابية وصائبة تستحق النظر إليها بهدوء، بل وتأييدها انطلاقاً من المنظور الوطني وإلا النتيجة فوضى مجتمعية لن تبقي على أحد.