أعلن الشيخ سالم العلي الصباح رئيس الحرس الوطني بدولة الكويت أنه سيقدم 215 مليون دولار من ثروته لمساعدة المواطنين المُقبلين على الزواج والمستدينين الذين يحصلون على شهادة الدكتوراه، حسبما أوردته وكالة الأنباء الفرنسية يوم 24/7/2012. وقد يمرّ هذا الخبر مرور الكرام على كثيرين، ولكن المتأمل لحال المواطن الخليجي، الذي يُنعت بأنه يحصل على أعلى الدخول في العالم، وبأنه يعيش في رخاء ودعة، ضمن دولة الرفاه التي تضمن له كل شيء، الأمر الذي بلوَرَ الصورة النمطية التي تتحدث عنها وكالات الأنباء والأفلام الأجنبية، بأن لكل مواطن خليجي بئرا بترولية في منزله، وأن أطفال الخليج "يشربون البترول" بدلاً من الحليب، كما جاء على لسان عبدالحسين عبدالرضا في مسرحية "باي باي لندن"! نقول إن المواطن الخليجي في واقع الأمر يمرُّ بظروف صعبة، في أغلب الدول، وإن "دعاية" الأعلى دخلاً هي محسوبة تناسبياً، نظراً للتفاوت الكبير في دخول المواطنين والأجانب، حيث تجد موظفاً عمل لأكثر من 25 عاماً في الحكومة قد لا يزيد راتبه عن 20 ألف ريال، في مقابل موظف آخر يعمل في هيئة لا تخضع لمعايير ديوان الموظفين، منذ خمس سنوات ويتقاضى 50 ألف ريال عن نفس العمل الذي يقوم به نظيره في المؤسسة التابعة للدولة. إن الخبر السابق مهم، لأنَّ مجتمع أهل الخليج جُبل على التكاتف والتكافل، وأنَّ فِعلَ الخير يعُم، وأن الساعين للخير -خصوصاً في الشهر الكريم- سيُضاعفُ لهم الأجر. كما أن الجيد في الخبر أن المُحسن قد خصّ به أهله وبني وطنه، وهم الأقربون الأولى بالمعروف. في الوقت الذي قد تُنفق فيه المليارات على جماعات متناحرة في بلدانها، وهي تنوء بأحمال الجهل والفقر والغباء السياسي، والدهاء الاقتصادي لامتصاص ثروات الآخرين لشراء أسلحة يقتلون بها بني جلدتهم. بل إن المليارات قد تذهب أحياناً لأنظمة فاسدة، همُّها التعلق بالكرسي مدى الحياة، وهي تمارس القمع والاستبداد والفساد، حيث لا تصل تلك المليارات إلى الشعوب الفقيرة. وبهذه المناسبة، يجدر بنا التذكير أن على دول مجلس التعاون أن تُعيد النظر في تقديم مساعداتها المتكررة للدول التي تحكمها ديكتاتوريات معروفة -وإن كانت عربية أو مسلمة- حيث لا تستفيد الشعوب من تلك المساعدات. كما أن تجربة دول مجلس التعاون في تقديم المساعدات لم تكن ناجحة في العديد من الدول العربية والإفريقية، لأن زعماء هذه الدول -أو طوائفها- قلبوا لدول المجلس ظهرَ المِجنِّ في الخطوب الكبيرة التي ألمّت بالعالم العربي، ولسنا بحاجة للتذكير بأسماء تلك الدول أو الجماعات أو ملوك الطوائف التي ما إن تخلو خزائنها حتى تختلق توترات في بلدانها، كي تتدخل بعض دول الخليج، وتمارس "الترضية السياسية" عبر الدولارات! ما قام به الشيخ سالم الصباح عمل إنساني محض، وهو مساهمة في تدعيم الأسرة الكويتية، وفي إيجاد عدالة اجتماعية وتشجيع الدارسين لمواصلة دراساتهم العليا. ولا يوجد أفضل من هكذا هدف للتعاضد الاجتماعي ومساعدة المواطنين المحتاجين، ودونما دعاية سياسية دولية. نحن نعلم أن هنالك مواطنين في دول مجلس التعاون الغنية لا يمتلكون بيوتاً يسكنون فيها. وبلغت نسبة متملكي السكن في أحد أغنى هذه الدول 30% فقط من إجمالي السكان! وهذا مؤشر مؤسف، ويردُّ على أصحاب الصور الدعائية الذين يُرددون أن مواطني الخليج من أغنى وأرفع الدخول في العالم. كما أنه توجد عدم عدالة في صرف الرواتب في بعض الدول، حيث قد يتقاضى مواطن خدم الدولة 30 عاماً ويحمل مؤهلات عليا 30 ألف ريال، في الوقت الذي يتقاضى صاحب خبرة لا تزيد على 5 سنوات وبالشهادة الثانوية أكثر من 70 ألف ريال! وهذا أيضاً يثبت عدم دقة الأرقام المتعلقة بالدول الأعلى دخلاً؛ والتي تكررها المجلات والصحف الأجنبية. كما أن هنالك مواطنين يُعولون على مكافآت وزارة الشؤون الاجتماعية، نظراً لمحدودية دخلهم أو كِبر سنّهم. إن الخير يجب أن يكون في أهله أولاً، مهما حتمت الأوضاعُ السياسية أو المقاربات المصالحية للدول أن تُصرف المليارات على شعوب متناحرة ودول غير مستقرة. فكم من المواطنين سوف يستفيد لو صُرفت 10 مليارات لتخصيص السكن المريح لهم؟ وكم من المواطنين سيستفيد لو صُرفت 5 مليارات لرفع مستوى الطبابة، في وقت بدأ فيه المواطنون في الخليج يعانون من صعوبة الوصول إلى الاستشاريين، نظراً لضخامة عدد مراجعي المستشفيات، بل إن المواطنات يَجدنَ صعوبة في الحصول على أسِرّةٍ في مستشفيات الولادة نظراً لضخامة عدد الوافدات اللاتي يلدن في المنطقة، حيث الرعاية الطبية والراحة والنظافة والمجانية. وفي ذات الوقت فإن ظروفَ أكثر المواطنين تمنعهم من التوجه إلى العيادات الخاصة المكلفة. إننا ندعو أصحاب الأيادي البيضاء إلى الاستثمار في الداخل، وهذا لا يمنع أن يصل خيرهُم إلى الخارج والمحتاجين في الدول الإسلامية. ولكن الأهم ألاّ ينام المواطن الثري وجارهُ جائع، أو يستمتع المواطن الثري ومواطنهُ عليل أو محتاج! كما أن فِعل الخير ينبغي ألا يُقرنَ بالدعاية السياسية والاجتماعية، وأن يكون صرفُ المساعدات في مواقعها الصحيحة. ولقد أكدت التجارب القريبة مدى تحوُّل بعض الدول والمنظمات التي كانت تلقى دعماً غير محدود من دول خليجية، من المساندة لهذه الدول، إلى المجاهرة بعدائها -سواء ما تعلق بقضية احتلال العراق للكويت أو ما يجري على الساحة السورية، وقبلها على الساحة اللبنانية. ساعدوا المواطن، واستثمروا في داخل بلدانكم، فكل ما تحرثونه خارج الأوطان لن يؤتى أُكلهُ، ويمكن أن يزول أو يُنسى مع أول كارثة سياسية أو انقلاب عسكري.