الحرية... والعودة إلى الوراء!
هل الحرية غدت تعيش غريبة في أوطانها بعد أن كانت في الماضي تتبختر بأرض الله الواسعة دون أن ترتعش أهدابها تهيّباً من ضربة غادرة في الظلام الدامس؟! هل الحرية بدأت تلفظ أنفاسها الأخيرة كما يرى أصحاب النظرة التشاؤميّة؟! هل ما يُروّج له البعض بأن العدالة ما دامت مختفية عن الأنظار، فهذا دليل دامغ على أنّ الحرية هي الأخرى صارت تهيم وحيدة في العراء دون أن تجد من يُساندها في محنتها ويحميها من ملاحقة الطغاة والمفسدين لها؟!
الكل يتساءل.. إلى أين يسير العالم العربي، مع كل هذا الكم من الأحداث الجسام التي تجري على أرضه! هل ما يجري من خيبات وانهزامات داخل مجتمعاتنا العربية، حدث بيدنا لا بيد الغرباء، وأننا متورطون مع سبق الإصرار في هذا الفعل الشائن وذاك التصرف المشين؟! ماذا عمّا يتردد من أن هناك أيدٍ تعبث في الخفاء جُلّ همها ألا تستقرّ أوطاننا وألا تقوم لمجتمعاتها قائمة؟! هل ما يجري من انتهاكات صارخة في حق شعوب الأرض مقتصر على عالمنا العربي، أم أن هناك بلداناً كثيرة بعيدة عن حدودنا تتجرّع من نفس مرارة كأسنا، والحرية فيها تقف مذلولة عند مداخلها الموصدة في وجهها؟!
الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذي عاد إلى الكريملين بفضل أصوات ناخبيه، متهم من قبل معارضيه الذين طعنوا في نزاهة الانتخابات وشككوا في نسبتها العالية، بأنه أحكم قبضته على المجتمع المدني الروسي بعد عودته إلى كرسي الرئاسة من جديد، وأنه حال وصوله بدد آمال التحرير التي وضعها سلفه "ديمتري مدفيديف". وكانت قضية ثلاث نساء روسيات قد أثارت هي الأخرى حفيظة المعارضة بعد الإعلان عن إمكانية تعرضهن لعقوبة السجن سبع سنوات بسبب أدائهن أغنية ضد بوتين في كاتدرائيّة المسيح المخلص بالعاصمة موسكو.
أغلبية الشعب الروسي يشعر بالغضب بعد تعرّض بوتين للحريات العامة في روسيا، من خلال مجموعة القرارات التي وضعها للنيل من معارضيه، والتي كان من ضمنها إجبار المتظاهرين على دفع غرامات كبيرة في حال عدم حصولهم على ترخيص لإقامة مظاهرة، وكذلك جعل التشهير برجالات الدولة جنحة يُعاقب فاعلها، إضافة إلى تنظيم نشاط مواقع الإنترنت ومراقبتها من قبل أجهزة الدولة.
وأنا أقرأ ما تعرّضت له النسوة الثلاث، ومجموعة القرارات المجحفة التي تمّ الإعلان عنها في روسيا، شعرتُ كأنني أطلع على أخبار خرجت من إحدى دول العالم الثالث أو صدرت عن واحد من بلداننا العربيّة التي تغصُّ بمئات الانتهاكات في مجال حقوق الإنسان، وليست نابعة من دولة عظمى كروسيا تملك إرثاً حضاريّاً كبيراً! لكن الصور القاتمة التي تعيش فيها اليوم أغلبية بلداننا العربية بالرغم من حضارتنا الإسلامية التي أبهرت العالم ذات يوم، من مسّها للحريات العامة، جعلتني أهزُّ رأسي قائلة: كل طغاة التاريخ يتفقون على كسر شوكة شعوبهم وليِّ أعناقها وقيادتها كالقطيع كي يبسطوا سلطتهم ويضمنوا حكمهم إلى أبد الآبدين!
الحرية والعدالة عروتان لا تنفصمان. هما في رأيي كالرجل والمرأة لا غنى لأحدهما عن الآخر! لكن السؤال الذي يطرح نفسه.. هل يجب على شعوب العالم أن تتخلّى عن حريتها، وتغضّ الطرف عن عدالة أفرادها حتّى تسلم من بطش زعمائها، أم أن على الشعوب أن تتمسك إلى الرمق الأخير بهما من منطلق أنهما جزء لا يتجزأ من آدميتها التي منّ الله بها عليها إلى أن يرث الأرض ومن عليها؟!