بعد مرور ساعات على الهبوط الناجح للمركبة الفضائية الأميركية الجوالة "كيريوسيتي" على سطح المريخ وقيامها ببث الصور عن الكوكب الأحمر، تعرض التعاون الروسي الأميركي في مشروع المحطة الفضائية الدولية إلى انتكاسة أخرى في برنامجهما الذي تكتنفه مشكلات تهدد وضع المحطة ذاتها. وما حدث هو أن الصاروخ الروسي الناقل "بروتون- إم"، والذي أطلق صباح الثلاثاء من مركز"بايكونور" الفضائي في كازاخستان، فشل في إطلاق قمري اتصالات روسي وإندونيسي إلى مدارهما في الفضاء، وهو ما أدى إلى إضافة قمامة قيمتها 2 مليون دولار في الفضاء. وقد بدأ الإطلاق بصورة طبيعية، واستمر كذلك إلى أن توقفت كتلة الماكينة "بريز- إم" من تلقاء ذاتها بعد مرور سبع ثواني على مرحلة الاحتراق الثالثة، وليس بعد 18 دقيقة المطلوبة لوضع القمر الروسي (إكسبريس- إم دي2) وقمر الاتصالات الإندونيسي (تيليكوم -3) في مدارهما، بحسب مسؤول فضاء روسي رسمي. وقال المتحدث باسم وكالة الفضاء الروسية، ويدعى "اليكسي كوزينتسوف"، تعليقاً على ما حدث: "في تلك المرحلة من إطلاق الصاروخ لم يكن هناك أي شيء يمكن عمله لإصلاح الخلل الذي وقع". ولم يستبعد "كوزينتسوف" تماماً إمكانية أن يتحول القمران اللذان باتا عديمي الفائدة في الوقت الراهن، وكذلك كتلة الماكينة، إلى خطر على المحطة الفضائية الدولية، لكنه قال إن ذلك "يعد شيئاً غير محتمل لحد كبير". وأضاف "كوزينتسوف" الذي كان يتحدث عبر الهاتف "إن هناك في الوقت الراهن مجموعة خاصة تدرس الوضع لتحذير طاقم المحطة في الوقت المناسب إذا ما تحول ذلك الاحتمال المستبعد إلى حقيقة بحيث يستطيع ذلك الطاقم المناورة بالمحطة لإبعادها عن مسار الارتطام بالقمرين". كما قال: "وإذا ما حدث موقف يجد فيه الطاقم أن الوقت المتاح للتصرف محدود، فإنه بإمكانهم في مثل هذه الحالة الاختباء في سفينة الفضاء سايوز الراسية في المحطة والتي ستوفر لهم الحماية في مثل هذه الحالة". وسوف تظل كتلة الماكينة لصاروخ النقل، وقمرا الاتصال المذكورين، طافية كلها في الفضاء لمدة شهر أو شهرين قبل إن يعاودا الدخول في الغلاف الجوي للأرض كي يحترقا هناك. هذا ما قاله "إيجور مارينين"، رئيس تحرير مجلة "نيوز كومونوتيك" الشهرية الروسية المتخصصة في مجال الفضاء. وأضاف "مارينين" في مقابلة أجريت معه: "مع انخفاض مدار دوران المحطة الدولية البالغ 250 ميلا، فإن الخطر الذي تمثله تلك الأجسام هو خطر نظري لحد كبير … لكننا نأمل في نفس الوقت خلال تلك الفترة ألا ينفجر خزان الوقود في الماكينة بسبب ارتفاع درجة الحرارة الناتج عن التعرض للشمس لأن ذلك لو حدث فإنه يعني أننا سنضطر في مثل هذه الحالة إلى التعامل مع آلاف الأجسام الصغيرة التي تدور في مدارات غير متوقعة قد نجد صعوبة في التعرف عليها وتحديدها". ويشار إلى أن صناعة الفضاء الروسية التي تعاني من نقص فادح في التمويل منذ نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، عقب انهيار الاتحاد السوفييتي السابق، كما تعاني من هجرة أعداد كبيرة من العلماء والخبراء المدربين تدريبا راقياً. وهي تحاول جاهدة في الوقت الراهن الإفاقة من تأثير سلسلة من الحوادث وحالات الإطلاق الفاشلة، والتي كان أبرزها خسارتها في شهر نوفمبر الماضي للمسبار "فوبوس جراوند" المتجه للمريخ والذي بلغت تكاليف صناعته 167 مليون دولار، لكنه سقط في المحيط الهادي قبالة ساحل شيلي في منتصف يناير الماضي. وقال" كوزنتسوف" مشيراً لحادث فشل إطلاق قمري الاتصالات: "هذا أول موقف طارئ يصادفنا هذا العام. لقد كنّا نعتقد أن الوضع في صناعة الفضاء الروسية قد تحسن، لكن وكما تعلمون فإن هناك دوماً احتمال لحدوث خطأ ما". وأضاف: "إن جميع المشكلات التي نعاني منها في الوقت الراهن ترجع أساسا إلى تلك الفترة التي عانينا فيها من نقص التمويل في نهاية الثمانينيات وبداية التسعينيات، وهو ما أدى في حينه إلى عدم حصول علمائنا وباحثينا على أجورهم لعدة شهور، الأمر الذي دفع الكثير منهم في نهاية المطاف إلى ترك المجال برمته". وكانت صناعة الفضاء الروسية قد فقدت جيلين من علماء الفضاء الشبان الذين اختاروا العمل في مجال الأعمال والتجارة بدلا من العمل في مجال الاستكشاف الفضائي، كما يقول رائد الفضاء الروسي "اليكسندر ليفييكين". وقال "ليفيكين" الذي يعمل نائباً لمدير المتحف التذكاري لعلوم الفضاء الروسية في مقابلة أجريت معه مؤخراً، "إن الفشل الأخير يعد محرجاً للغاية لأنه يأتي على خلفية النجاح الهائل الذي حققته مركبة ناسا الجوالة كيروسيتي" التي هبطت بنجاح على سطح المريخ". وأضاف: "إن علماءنا قد فقدوا أي اهتمام لهم بأبحاث الفضاء، والمؤسف أن معظمهم لا يعرفون ولا يهتمون بمعرفة أسماء أفراد الطاقم الموجود في محطة الفضاء الدولية، وما الذي يقومون به على وجه الدقة". ورأى "ليفيكين" في نهاية المقابلة التي أجريت معه أن روسيا تحتاج إلى برنامج فضاء جديد، مع جعله عنصراً أساسياً في التربية الوطنية للشباب الروسي. سيرجي إل. لويكو كاتب في شؤون العلوم والتقنيات ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي إنترناشيونال"