لا للهجوم على إيران
الآن وقد وصلت المفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي إلى طريق مسدود، أخذنا نسمع من جديد أن إسرائيل باتت على وشك قصفها، بمشاركة الولايات المتحدة أو بدونها.
وفي هذا الإطار، دعا نائب وزير الخارجية الإسرائيلي داني آيلون يوم الأحد الماضي إلى إعلان دولي بأن الجهود الدبلوماسية الرامية إلى وقف عملية تخصيب اليورانيوم من قبل طهران قد "فشلت". وأضاف يقول إن مثل هذا الإعلان من شأنه أن يوضح بما لا يدع مجالاً للشك أن "كل الخيارات مطروحة فوق الطاولة" بالنسبة لإسرائيل، والولايات المتحدة، وحلف "الناتو". هذا بينما تفيد تقارير إعلامية أخرى بأن رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو "اتخذ القرار تقريباً" بشأن شن هجوم على إيران هذا الخريف.
وما هو على كفة الميزان حالياً ليس التهديد بحرب كبيرة في منطقة متقلبة فحسب، ولكن الأهم من ذلك هو بخصوص المدى الطويل، مستقبل عملية السلام والاستقرار في العالم.
وللتذكير، فقد سعت بلدان العالم رداً على الفظاعات التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية إلى وضع نظام دولي من شأنه ضمان الأمن والسلام الدوليين والمحافظة عليهما. وفي هذا الإطار، نص ميثاق الأمم المتحدة، الذي وقع في 26 يونيو 1945، على أنه يتعين على كل البلدان الأعضاء في المنظمة أن تمتنع عن "التهديد أو استعمال القوة ضد سلامة أراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة". ولكن في الوقت نفسه، اعترف الميثاق بحق الدفاع عن النفس كاستثناء، حيث تقول المادة 51: "ليس في هذا الميثاق ما يضعف الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسها إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء الأمم المتحدة، وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلام والأمن الدولي".
وقد وضع ميثاق الأمم المتحدة عمليات صنع السلام من أجل الحيلولة دون تحول الصراعات الدولية إلى نزاعات مسلحة، فنص على ضرورة أن تسعى أطراف النزاعات إلى حل عبر التفاوض، أو الوساطة، أو غيرهما من الوسائل السلمية.
وبمقتضى النص الصريح والواضح للميثاق، فإن إسرائيل والولايات المتحدة ليس لديهما حق قانوني في تنفيذ ضربة عسكرية على نحو استباقي ضد إيران. وعلاوة على ذلك، فإذا شاركت الولايات المتحدة في مثل هذا الهجوم بدون موافقة الكونجرس، فإن الرئيس سيخرق القانون الأميركي في تلك الحالة، مثلما سيخرق ميثاق الأمم المتحدة، الذي أصبح بمقتضى الاتفاقية جزءاً من القانون الأميركي.
ولأن القانون الدولي يعرَّف في الغالب بالممارسة الدولية، فإن ما يسمى بـ"عقيدة بوش" التي تقول بالحق في الهجوم الوقائي أضرت كثيراً بالمادة 51. إذ على رغم أنه لا يوجد في ميثاق الأمم المتحدة ما يبرر ضربة وقائية، إلا أن بوش مضى قدماً في شن ضربات "الصدمة والرعب" 2003 على العراق، بناءً على تقارير استخبارية غير صحيحة تزعم أن صدام حسين كان يمتلك أسلحة دمار شامل.
ولعلكم تتذكرون خطاب وزير الخارجية الأميركي كولن باول في الأمم المتحدة في 5 فبراير 2003، الذي أصر فيه على أن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، مشيراً ضمنياً إلى أن قدرة الأسلحة لوحدها كافية لتبرير ضربة وقائية. وفي أعقاب هجمات الحادي عشر من سبتمبر، تجاهل مخططو حرب العراق بكل بساطة المادة 51 باعتبارها بالية ومتجاوَزة.
وبالتالي، فلا غرو أن المخططين الإسرائيليين يعتقدون أن لديهم "بطاقة بيضاء" أو "ترخيصاً" لقصف الإيرانيين، حتى إذا كان الأساس المنطقي للهجوم يستند فقط إلى افتراض أن إيران تقوم بتطوير القدرة على صنع قنبلة نووية وتنوي بالفعل استعمالها ضد إسرائيل.
غير أن السؤال الذي يطرح هنا هو عما إن كان التقييد الصارم للحق في الدفاع عن النفس بوقوع "هجوم مسلح" سيظل وسيلة فعالة في ضبط الحكومات وكبحها. ولعل الأهم من ذلك هو ما إن كان ميثاق الأمم المتحدة سيستمر كآلية قابلة للتطبيق من أجل الحفاظ على السلام الدولي.
وحتى أضع هذه الأسئلة على نحو عملي، أقول: هل نرغب في عالم يكون فيه القادة أحراراً في شن هجمات عسكرية على بلدان أخرى استناداً فقط إلى افتراض وجود نية معادية وقدرة عسكرية؟ وهل نحن راضون عن مصطلح يلبس الاعتداء رداء "الدفاع عن النفس الوقائي"؟
لقد حان الوقت لكي يقول أوباما "لا" للإسرائيليين -لا مساعدات عسكرية بعد اليوم (علماً بأنها تصل حالياً إلى أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً) إذا قاموا بتوجيه ضربة عسكرية لإيران. كما يتعين عليه أن يستبعد بشكلي علني ونهائي إمكانية مشاركة أميركية في هجوم عسكري على إيران.
إل. مايكل هاجر
المدير العام السابق لـ"المنظمة الدولية لقانون التنمية" في روما
ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"