عيدكم مبارك
اليوم عيد لكل من صام فتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال... ها هو رمضان الذي كنا ننتظره بشوق قد غادرنا بسرعة البرق، وكذلك الأيام تمر مسرعة عسى الله أن يجعل أيامنا كلها أعيادا، وأن يرزقنا فرحة اللقاء كما تمتعنا بفرحة الفطر ففي الحديث قال صلى الله عليه وسلم (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه) جزء من حديث رواه الشيخان... وكيف لايفرح المؤمن وقد أطاع ربه وأدى فرضه، وفرحة الدنيا هذه لا تقاس عليها فرحة الآخرة وإنما عجل ربنا لنا بعض متع الدنيا كي نتخيل من باب المقارنة المتواضعة ليس إلا، كيف هي حال فرحة الآخرة "وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة"، وهل هناك أروع وأجمل من رؤية ربنا سبحانه الذي عبدناه بالغيب.
همم الناس بعد رمضان متفاوتة، فبعد أيام الصيام وليالي القيام والصدقات وتلاوة القرآن، يبدأ الناس في التخرج من مدرسة رمضان بدرجات متفاوتة كما هي حال المدارس أو الجامعات، والنجاح في رمضان بعد ثبوت الأجر بإذن الله تعالى للجميع يتبين بالمخرجات التي تحملها معك فور انتهاء الشهر الكريم، فهو ليس شهادة نعلقها لكنه فعل نقوم به مؤشر على مدى الاستفادة التي جنيناها من الصيام، ففي برامج الدورات الحديثة يقاس نجاح الإنسان بعد كل دورة ليس بالمعلومات التي اكتسبها فقط لكن بما عمل بها بعد الدورة، والتي تعرف بالقيمة المضافة.
السؤال الذي من الواجب أن نطرحه على أنفسنا بعد رمضان، ما هي القيمة المضافة لحياتنا بعد هذا الشهر؟ دعوني أسوق لكم بعض الأمثلة كي تتضح الصورة ويتجلى المشهد بطريقة عملية، كلنا اجتهد في رمضان لختم القرآن ولو مرة واحدة على الأقل أليس كذلك؟ ما هو واقع القرآن في حياتنا بعد رمضان هل سنهجره إلى رمضان القادم كي يعلوه غبار الزمن! أم أننا سنجتهد على الأقل بقراءة صفحة واحدة يومياً، والأفضل أن تكون أكثر من صفحة، فمن وجد نفسه تالياً للقرآن بعد رمضان فقد استفاد من هذه الشعيرة الربانية.
و في مقابل الطاعات في رمضان هناك هجران للمعاصي، ففي رمضان يسهل على الناس الامتناع عن بعض الآثام التي تعودوا عليها طوال العام، فنجد البعض مثلا يمتنع عن التدخين طوال رمضان، وكل أدرى بالمعصية التي نجح في الامتناع عنها لقدسية هذا الشهر في نفوس المؤمنين، ترى ما هي الأحوال بعد رمضان ؟ من عاد منا إلى هواه القديم ومعاصيه وجدد العهد معها يستطيع أن يعطي نفسه درجة في مدى الاستفادة من الشهر الكريم، فحال البعض يتلخص في قول العربي عن الخمر التي هجرها طوال رمضان :
رمضان ولى هاتها يا ساقي مشتاقة تسعى إلى مشتاق
فمن وجد بعد رمضان تعففاً عن بعض معاصيه وجدد التوبة إن وقع فيها هؤلاء هم الناجحون في مدرسة رمضان. أما من استمرأ المعصية، وكأن رب رمضان لا يعبد إلا في هذا الشهر، فأقول له راجع مدرسة رمضان، وتذكر فرحة الطاعة وذل المعصية، وستجد أنه لا توجد مقارنة بين وجوه الطائعين ونفسية العاصين.
إن السعادة تتلخص في الإيمان والعمل الصالح قال تعالى: "من عمل صالحاً من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون". أسأل الله لنا حياة طيبة سعيدة وكل عام وأنتم بخير.