وقف العالم مذهولاً بعد أن اكتشف فجأة أن للعشائر اللبنانية أجنحة عسكرية ومقاتلين ومتحدثين إعلاميين، وتوالت عمليات خطف السوريين في الشمال والبقاع وبيروت، وانهمرت القذائف الإعلامية لعشيرة المقداد مهددة تركيا والسعودية وقطر وبقية دول الخليج بعد أن أعلن حاتم المقداد شقيق حسان المقداد المختطف في سوريا على يد الجيش السوري الحر أن عشيرته خطفت أكثر من 32 سورياً إضافة إلى مواطن تركي، وأن "كرة الثلج ستكبر"، مهدداً باختطاف رعايا سعوديين وقطريين. وقفت عشيرة المقداد أمام وسائل الإعلام في بث بالصوت والصورة ترعد وتزبد تهدد بحرب اختطاف إقليمية على رعايا الدول، وسط عجز من قبل مؤسسات الدولة الأمنية، فيما سارعت الحكومة اللبنانية إلى إيفاد وزير الداخلية مروان شربل للتفاوض مع عشيرة المقداد. وفي تصريح للنائب السابق سمير فرنجية قال: "تجسد هذه القضية انهيار الدولة اللبنانية بمعنى أننا أمام وزير داخلية يتفاوض مع خاطفين، وحكومة غير قادرة على إعادة فتح طريق المطار. إنه وضع مزرٍ وسينهار الاقتصاد...". وفي الحال دعت كل من دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وقطر والكويت والبحرين رعاياها إلى مغادرة لبنان فوراً. لقد عادت أشباح الحرب الأهلية بعد عشرين عاماً على انتهائها لتخيم على أجواء لبنان، وعادت صور ومفردات الحرب الطائفية. الاختطاف الطائفي والرهائن كمفردات على الساحة السياسية والإعلامية، وأثبتت التطورات الأخيرة أن لبنان لم يتعافَ من الحرب الأهلية ولم يتخطَّ حتى أسباب الحرب التي تفجرت في عام 1975 فنظام المحاصصة الطائفية والانقسامات الحادة وسط النخبة السياسية إضافة إلى ضعف الحكومات اللبنانية مع بقاء "حزب الله" قوة رئيسية مؤثرة دولة داخل الدولة ضارباً أسس الدولة اللبنانية في مقتل، وللأسف أظهرت التطورات الأخيرة هشاشة الحكومة اللبنانية وأكدت تغول "حزب الله" في الدولة اللبنانية خاصة بعد أن أسقط حكومة سعد الحريري في يناير 2011، وثبت حكومة أخرى أكثر توافقاً مع أهوائه. وتصدرت عشيرة المقداد المشهد الإعلامي لينزوي "حزب الله" تاركاً المشهد السياسي للعشيرة العسكرية الغاضبة، وتنحّت الدولة اللبنانية على استحياء، وفهم العالم أن خيوط اللعبة المقدادية يحركها "حزب الله"، فيما "الجناح العسكري لعشيرة المقداد" ينبئ بتشكل أجنحة عسكرية لعشائر أخرى. لقد امتدت شرارات الحرب السورية إلى لبنان على رغم محاولات الحكومة اللبنانية تجنب امتداد الصراع الطائفي إلى أراضيها، ولم يكن التساؤل الصحيح هل ستمتد الحرب السورية إلى لبنان، ولكن متى ومن سيشعل فتيل الحرب فيه؟ وهكذا، ومن جديد، وجد لبنان نفسه ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية ولحروب الإنابة والحروب بالوكالة، ساحة لعمليات الاختطاف المزدوج . وتثير موجة الاختطافات التي شنتها العشيرة المقدادية مخاوف من انفجار أمني كبير بعد أن وضعت الحكومة اللبنانية والأجهزة الأمنية أمام اختبار حقيقي، فالتطورات تنبئ عن انفلات أمني، وسياسة الخطف بالخطف التي اعتمدتها العشيرة أظهرت وبشكل صارخ حجم الأجهزة الأمنية الرسمية ورخاوة قبضة الحكومة اللبنانية على مناطق الجنوب خاصة، ولكن للحكومة اللبنانية التزامات دولية تمتد من حماية الدبلوماسيين إلى حماية اللاجئين السوريين على أراضيها، وعمليات إجلاء رعايا الدول مؤشر خطير على ضعف الثقة الدولية في الحكومة اللبنانية. في لبنان عشيرة تهدد دولاً بحروب اختطاف إقليمية وتحت جناح الدولة اللبنانية كيانات عسكرية وسياسية مستقلة، وتحت جناح "حزب الله" كيانات عشائرية معسكرة، تبادل الخطف ينبئ باندثار الدولة وانقراض هيبتها، ليبقى التساؤل: هل سيتمكن لبنان الدولة من ممارسة أدوارها المفترضة، وإلى متى سيبقى "حزب الله" دولة داخل الدولة؟ ولمصلحة من يختطف لبنان وينهار الوطن والكيان والدولة؟ الإجابة بيد حسن نصر الله وحده. وكل عام وأنتم بخير.