في جلسة صاخبة هذا الشهر انتهت بتبادل اللكمات بين المشرعين، وافق البرلمان الأفغاني على تصويت بسحب الثقة من اثنين من كبار المسؤولين الأمنيين في البلاد وهما وزيرا الدفاع والداخلية. وإذا ما أخذنا في الحسبان أن أفغانستان تكافح للاضطلاع بالمزيد من المهام الدفاعية المرهقة، واستلامها من القوات الدولية، فإن أقل ما يمكن أن يقال بشأن ذلك القرار بسحب الثقة هو أنه قد مثل مفاجأة جاءت في وقت غير مناسب. والأغرب من التصويت بسحب الثقة، هو تلك الموافقة السريعة من جانب كرزاي على ذهاب الرجلين. ومن الخطورة بمكان أن يدعي المرء أنه قادر على التنبؤ بمسارات السياسة الأفغانية المعقدة، ولكن إقصاء الوزيرين كان يرجع، جزئياً على الأقل، إلى الصراع الشرس من أجل التموضع في أفغانستان ما بعد انسحاب القوات الأميركية، حيث تشير دلائل عديدة على وجود احتمال لاحتقان الأوضاع في البلاد عقب ذلك الرحيل. ومن بين الأسباب التي ذكرت على لسان المسؤولين ووسائل الإعلام حول اقتراح سحب الثقة الذي قدمه البرلمان بشأن وزير الدفاع ووزير الداخلية، عجز الاثنين عن التعامل مع سيل نيران المدافع المنهمر على أفغانستان من جانب حدود باكستان المجاورة. صحيح أن السكان الذين تتعرض مناطقهم لقصف المدافع من الجانب الآخر من الحدود يشعرون بالإحباط الشديد جراء ذلك، بيد أن تحديد كون هذا الأمر -بشكل خاص- هو السبب الذي دعا البرلمان لطرح الثقة بالوزيرين، يبقى شيئاً غير مؤكد، في اللحظة الحالية على الأقل. وبخلاف الضغط على باكستان، وهو قرار سياسي بالدرجة الأولى سيحتاج، على أقل تقدير، إلى بعض التنسيق الدولي، فإنه ليس من الواضح ما الذي ينوي الجيش الأفغاني عمله بشأن هذه المسألة. والسبب الثاني من ضمن الأسباب التي ذكرت للإقصاء أن الرئيس كرزاي يريد إظهار أنه رجل يتخذ إجراءات ضد الفساد في حكومته، وهو ما ينطبق على وزارتي الدفاع والداخلية اللتين تعانيان من قلة الكفاءة وسوء الأداء. ولكنني، ومن واقع عملي السابق مع اثنين من قادة القوات الدولية العاملة في أفغانستان، ومع هيئة الأركان الأميركية المشتركة وخصوصاً في مجال مكافحة الفساد في ذلك البلد، فإنني أستطيع القول إنني لم ألاحظ أن نظام كرزاي ومنذ عام 2003 قد أقدم بفاعلية على خطوة لمعالجة داء الرشوة الذي ابتليت به البلاد، ويكاد يتخذ فيها شكلًا مؤسسياً. فبدلًا من ذلك رأينا نظام كرزاي أحياناً وهو يعرقل جهود مكافحة الفساد وذلك من خلال توجيه الوزراء لإغلاق التحقيقات، وإصدار الأوامر بإطلاق سراح المشتبه بهم من السجون، والقيام -كما أفادت بذلك تقارير- بالمساعدة على تدبير هروب وزير الشؤون الدينية السابق المدان بتهم فساد إلى خارج أفغانستان. وهناك سبب ثالث يتم ذكره حالياً للتصويت بطرح الثقة عن الوزيرين من قبل المشرعين الأفغان -غير المحصنين من الفساد هم أنفسهم- هو أن ذلك الاقتراح قد قدم بسبب ما يشعرون به من ضغينة تجاه الوزيرين لعدم قدرتهما على الحصول على بعض الوظائف والعقود المغرية التي قام الوزيران بتوزيعها على المقربين منهما. وعلى رغم أن الأسباب الثلاثة المذكورة تحتوي على عناصر من الحقيقة التي يمكن أن تكون قد حفزت المشرعين على نحو ما على تقديم الاقتراح إلا أن السبب الثالث على وجه التحديد هو الأقرب إلى الصحة. ولكن كي نفهم المغزى الأكبر لقرار الإبعاد علينا أن نفحص على وجه التحديد وضع وزير الداخلية "بسم الله خان محمدي" الذي ينتمي لعرقية الطاجيك وكان من قادة المقاومة الشماليين لحكومة "طالبان" خلال سنوات الحرب الأهلية التي احتدمت في ذلك البلد من عام 1994 وحتى سقوط نظام "طالبان" عام 2001، كما شغل خلال الثمانية أعوام الأولى من حكم كرزاي منصب رئيس الأركان. ولكنه على رغم ذلك لم يكن نزيهاً في تعيينات الضباط حيث كان يختار الضباط في مناصب الإدارة الوسيطة المهمة (رتبة المقدمين والعقداء) من الضباط الموالين لقادة الشمال السابقين من أمثاله. ونظراً لأن القوات الدولية تكثف جهودها في الوقت الراهن لتعقب "طالبان" في المناطق الشمالية فإن القادة الشماليين السابقين يتم تهميشهم أو التخلص منهم بوتائر سريعة. (قبل محمدي تم التخلص من القائد الشمالي الأوزبكي أحمد خان سامانجاني الذي قتل في انفجار أثناء وجوده في حفل زفاف في منتصف شهر يوليو الماضي). أما الوزير الثاني الذي تم التصويت على إخراجه من منصبه هذا الشهر فهو "عبدالرحمن وردك" وهو شخصية أقل أهمية بكثير من "محمدي". وعلى رغم أن "وردك" يوصف بأنه من الموالين المخلصين لكرزاي إلا أنه معروف بأنه ضعيف الشخصية، وكثيراً ما يتعرض لإساءات لفظية من قبل كرزاي في اجتماعات مجلس الوزراء، كما يشتهر بالإفراط في الشراب، ويقال إنه ليست لديه سيطرة حقيقية على الجيش الأفغاني. وكثيراً ما يلجأ كرزاي إلى التخلص من المسؤولين بالثنائي، أي اثنان اثنان، حتى لا يبدو أنه يتحامل على عرقية ضد أخرى وهو ما دعاه إلى إقصاء وردك كي يوازي إقصاء "محمدي". ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ سارة تشايس المساعدة الخاصة السابقة لرئيس هيئة الأركان الأميركية المشتركة والباحثة المشاركة المقيمة في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ـــــــــــــــــــ ينشر بترتيب مع خدمة "إم.سي.تي.إنترناشونال"