عيد... سوريا وميانمار
يبدو أن أشهر رسالة إلكترونية مصوّرة تداولها الناس هذا العيد، هي تلك اللقطة التي كان فيها بشار الأسد يؤدي صلاة العيد، وكيف تهكمت عليه الأمة عندما ضبطته عدسة الكاميرا وهو يسبق الإمام ويسلّم قبله، لتبطل صلاته وهو الذي حاول أن يصطنع لقطة إعلامية في توقيت له دلالات ومشاعر، ليقول للعالم إن الحياة طبيعية في البلد الذي يصر على أنه لا يزال حاكماً له، وأنه كالعادة أدى الصلاة بالمسجد، في مدينته، وبين شعبه، والجو كان لطيفاً وسعيداً والدليل ابتسامته الواسعة لهم! لقطة كان يتمناها أن تشفع له وتعطيه مزيداً من الوقت، والتعاطف، والشعبية المفقودة، لكن الخوف والرعب الذي يلفه جعله يستعجل الهروب من المسجد، وينسى أن للصلاة أحكاماً وأنه تَبطُل إذا سبق المأموم إمامه. لكن الأسد لا يهمه ذلك، فهو الحاكم والمشرّع والإمام الأكبر، وهذه صلاة تلفزيونية كما هو الممثل عندما يطلب منه المخرج أن يصلي ويخشع فيها لتكتمل تراجيديا المشهد.
الصورة بيّنت أن كل ما فيها مصطنع، فالخوف يعم المكان في حركاتهم وأنفاسهم وعيونهم التي رصدتها العدسة، وأطلال الدمار تمر سريعاً في كادر الصورة، لا الحياة طبيعية كما صوّروا ولا الناس حوله كما كانوا. الشعوب قرأت من خلال تلك اللقطات الوجه الحقيقي لواقع حال "الرئيس" والبلد.
وليته عيّد وابتسم واكتفى بالضحك علينا في تلك اللقطة التاريخية، لكنه استعجل صلاته، وأغلقت الكاميرا الرسمية، وذهب في الخفاء يكمل مجازره، نسي أنه عيد الفطر وليس "الأضحى"، ذهب يقدم 100 روح بشرية جديدة في هذا اليوم السعيد.
أي "نيرون" هذا ! ماذا بقي من سوريا التاريخ والحضارة؟ لقد شوّه وجهها وجلب لها الدمار، إنه يحطم في كل لحظة تمر بنياناً قائماً في كل بقعة من هذا البلد العظيم، يحرق ويذبح هذا الشعب الصابر. أكثر من عشرين ألف إنسان قتيل ومثلهم من الجرحى، كما شتت شمل أكثر من 200 ألف سوري يعيشون في العراء لا وطن لهم. شعب بعضه الذي في الداخل خائف يترقب الموت في أية لحظة وينتظر مستقبلاً مجهولاً، وآخر أصبح مشرداً على حدود بلده، لا يعرف أين بقية أهله، ويجهل أي ريح ستأخذه، وكيف ستكون نهاياته؟ فمتى ستنتهي غربة وعذابات هؤلاء؟ الكل يتمنى ويحلم وينتظر اليوم الذي ستعود فيه الحياة إلى سوريا.
كذلك تقريباً حال العيد عند مسلمي ميانمار. عيد حزين له طعم الموت والدمار والتشريد، كيف لهم أن يشعروا به، وطوال شهر رمضان وقبله كان الموت يسري فيهم ويطويهم جماعات؟! إنهم يحرقون ويشردون ويذبحون أمام أنظار العالم، ولا يجدون سوى الصمت أو التنديد الذي قد يأتي متأخراً وخجولاً! كيف لهم أن يفرحوا ويستطعموا بهجة العيد، ووادي الموت لا يزال مفتوحاً تتكدس فيه جثث أهاليهم دون أكفان ودون وداع أو صلاة، تسري دماء شعب تلك الأقاليم المسلمة أنهاراً حمراء تحرق اللون الأخضر وتنشر الحقد والبغضاء والطائفية وتقتلع من صدورهم الإيمان بالسلام وبمفهوم الشعب الواحد واستقلالية الوطن الحر الذي حلموا به وحاربوا من أجله المستعمر طويلاً. ذنبهم أنهم آمنوا بالله الواحد، ولدوا مسلمين، ويريدون العيش على تراب وطنهم، لا يريدون الخروج من أرض آبائهم.
المجازر التي ترتكب هناك في حق المسلمين والذين تعتبرهم الأمم المتحدة إحدى أكثر الأقليات تعرضاً للاضطهاد في العالم، تتم تحت غطاء ومباركة الحكومة البورمية. فماذا فعلت الحكومات والشعوب الإسلامية لنصرة أهاليهم في ميانمار؟ ولماذا هذا الصمت العالمي أو ردة الفعل التي لا تدعو سوى لضبط النفس والتهدئة و"احترام" التعايش كل على مذهبه؟ هناك تحدث أبشع صور الموت، من تطهير عرقي محرّم دولياً ومجازر إنسانية مروّعة، إنها جرائم دولية لا تنفع معها اللغة الدبلوماسية.
في وسط هذا الصمت الدولي، والغضب الذي يسكن قلوب الناس المنتمين لهذا الدين، تبقى دموع "أمينة"، زوجة أردوغان رئيس وزراء تركيا، خلال زيارتها لمخيمات اللاجئين وهي تستمع لقصص الموت وتشاهد العذاب في وجوه الأطفال والأسر المسلمة، أشهر دموع مؤثرة عرفت في العصر الحديث.
زيارة أحمد داود أوغلو وزير خارجية تركيا والسيدة أمينة زوجة رئيس الوزراء لمخيمات اللاجئين، والتي نقلتها وسائل الإعلام العالمية، وانتشر منها مقطع الأحضان والدموع في معظم المواقع الإلكترونية العربية والإسلامية، جعل تركيا أكثر قرباً من وجدان الإنسان العربي وفي واجهة المشهد الإسلامي، تحاول أن تكمل مبادراتها في التصدي للقضايا الإسلامية، وتكون حاضرة في ساحة الأحداث، لها موقف مما يحدث وعندها قرار.
ولولا مبادرتا صاحب السمو رئيس الدولة وخادم الحرمين الشريفين بتقديم مساعدات عاجلة لمسلمي ميانمار، ولولا إدانات منظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية... لكان صمت هذه الأمة العظيمة مخجلاً وكارثياً، فأين مواقف دول إسلامية في حجم إندونيسيا والهند وباكستان، وكذلك بنجلاديش المجاورة لميانمار؟
أقل ما نفعله للمسلمين في ميانمار هو أن نتبرع لهم ونخفف عنهم أعباء تشردهم وحياتهم من غير سكن، وفي ظل هوان الفقر ومذلة الجوع ومصائب الأمراض. أن ندعو الله لهم، وأن نتصرف مثل ذلك "الشايب" الإماراتي عندما قدموا له "العود" في صباح العيد، فسألهم قبل أن يمسك "المدخن": من أين هذا العود، إذا كان "عود بورما" فصبوا عليه الماء، ولا تنفثوا دخانه، لا يجوز لنا أن نشجع تجارتهم ونشتري بضاعتهم، وإخواننا في الدين يذبحون هناك!
ستنتصر سوريا، وسيقوى مسلم ميانمار ويعود لوطنه وأرضه، ننتظر أن يأتي ذلك العيد... قريباً.