إسلام دولة... وشعب
مجتمع الإمارات حكومة وشعباً جعل من الإسلام ركنه الركين في بنيانه المتين، وهذه بدهية لا تقبل الجدل حولها من قبل أي طرف وخاصة من قبل "الجماعة" التي تريد اختراق الجبهة الداخلية باسم الإسلام، وكأن في الدولة إسلامين، واحد شعبي وآخر حزبي يريد فرض رؤيته على واقع الإمارات الذي رضي بأن يتخذ من الوسطية والتسامح والاعتدال شرعة ومنهاجاً.
والدفاع عن الإسلام والمسلمين في كل المحافل جزء من ثوابت السياسة الخارجية للدولة لأنها تهتم بأمر المسلمين في كل أصقاع الدنيا وهي منهم، فيهمها ما يهمهم ويؤلمها ما يؤلمهم ولم تتوان يوماً عن مد يد العون والمساعدة إذا من أصابهم أي مكروه.
لم يحصل في مجتمع الإمارات أن تحول الإسلام إلى مجرد حزب يمثله تيار سياسي يتحدث باسمه أو جماعة معينة تمثل الإسلام، وبقية المسلمين كأنهم أصفار على شمال هذا الدين وهو هبة رب العالمين للناس أجمعين، وشرطه اللازم هو "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي"، هذا بالنسبة للآخرين.
والمسلم في الإمارات لا يحتاج إلى لافتة حزبية ولا جمعية يعلن من خلالها هويته الفطرية، فتمثيله للإسلام أمر ذاتي، واستغلال البعض لهذا الجانب من قبل أصحاب الفكر المؤدلج وجر الأفراد باسم الطاعة الواجبة لأمير الجماعة أو رئيس الحزب أو المرشد العام وما شابه ذلك من مسميات القيادة التي تتعارض جذرياً مع ولاء المواطن الإماراتي لدولته وقيادته التي حقت في عنقه البيعة الشرعية وهو الأصل وأما غيرها من الولاءات فهي دَخن طارئ على مجتمع الإمارات يجب التخلص منه، وبناء الحصانات الفكرية دينياً واجتماعياً وأمنياً للحيلولة دون استشراء شرره الذي يتطاير علينا من خلال "التنظيم السري" أو "الخلية المنظمة" التي خرجت عن السياق الطبيعي لنسيج المجتمع المتماسك منذ النشأة عندما كان الأب يأخذ بيد ابنه الصغير لأداء الصلاة معه وكذلك الجد يفعل ذلك مع حفيده دون أن يتلقى بذلك أمراً أو توجيهاً مباشراً من أمير لجماعة إسلامية احتكر الإسلام في حزبه من دون المسلمين.
فالأصل أن كل مسلم عادي مقابل "حزبي" يمثل الإسلام بشكل عام وليس بحاجة إلى "تنظيم سري" لإثبات إسلامه من جديد، وإسلام المرء لم يعد سراً إلا في فترة محدودة لم تتجاوز العقد الأول من ظهور الإسلام وهذه الفترة ليست مجالاً للاستنساخ في عصر أصبح الإسلام فيه ديناً معترفاً به على مرأى ومسمع من العالم ويقارب معتنقوه ملياري نسمة وهم يمثلون سدسي سكان العالم أجمع.
فسرية الدعوة للإصلاح بهذا الأسلوب في زمن العلانية في كل شيء تنم عن وجود خطة مضادة تعارف عليها المجتمع من قبل الدولة في وضع استراتيجيات طويلة المدى في إدارة شؤون المجتمع وفقاً لرؤيتها والسير على ما تقوم به الأمم المتقدمة في ترقية شأن الشعوب والمجتمعات في جميع المجالات.
إن قيام مجموعة بكل سرية للوقوف أمام ما هو متعارف عليه من شأن الإسلام الذي يحكم تصرفات المواطنين كجزء من حياتهم الطبيعية التي لا تحتاج إلى "حزب إسلامي" توجههم نحو غايات بعيدة عن المصالح الوطنية للدولة التي لا تميز بين مسلم وغيره ممن أصبح من مكونات النسيج الاجتماعي المتوافق مع كل الأديان والمعتقدات التي تعد جزءاً من حياة المقيمين في الدولة، فالإخلال بهذه المعادلة السلمية في المجتمع باسم الإصلاح خروج على الأمن الاجتماعي ودخول في متاهات الفوضى التي لا تخلق غير الفتن والمشكلات، ومن يسعى لذلك فإن ساحة الإمارات ليست مكانه.