بين استحقاقات الأزمة المالية... وتحديات الأزمة السورية الاستحقاقات السياسية والاقتصادية الضاغطة الآن على روزنامة الرئيس الفرنسي، وبداية ذوبان الثلج بينه وبين المستشارة الألمانية، والاستجابات المطلوبة لتحديات الأزمة السورية، موضوعات ثلاثة استقطبت اهتمام الصحافة الفرنسية. أولويات هولاند في افتتاحية لصحيفة ليبراسيون اعتبر الكاتب فينسان جيريه أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند يواجه الآن على روزنامته ثلاثة استحقاقات ذات مواعيد ضاغطة سيتعين عليه الاستجابة لتحدياتها الكثيرة، دون تأخير. والتحدي الأول اقتصادي، كما يمكن أن نتوقع، فقد ذهب هولاند في إجازته السنوية خلال الأسابيع الماضية وعلى طاولته رزمة ملفات كثيرة ظلت في الانتظار، وها هو يعود الآن دون أن يجد تلك الملفات والمشكلات وقد حلت نفسها، بل إن بعض أوجه المعاناة الاقتصادية تفاقم خلال هذه الفترة، وهنالك توقعات وأخبار غير سارة عن أفق التراجع والكساد الاقتصادي من هنا وحتى العام المقبل، فيما تآكلت القدرة الشرائية بشكل حاد، وضربت البطالة أرقاماً قياسية جديدة. ولذا فإن طريق "إعادة الإصلاح" الذي وعد به طيلة حملته الانتخابية الماضية لا يبدو ممهداً، أو مفروشاً بالورود. والظروف كلها ضاغطة ولا مجال معها طبعاً لأية مجازفة اقتصادية. أما الاستحقاق الثاني الذي يواجه هولاند فهو أوروبي حيث لم تتمكن جميع الجهود الماراثونية التي بذلت حتى الآن من احتواء أزمة اليونان أو تحديد مصيرها بشكل قاطع، كما أن أحوال ومشاكل بنوك بعض الشركاء الأوروبيين الكبار ما زالت على حالها، في وقت يبدو فيه التضامن المالي بين الدول الأوروبية نظرياً ولفظياً بالأساس، فيما يبدو مستقبل "اليورو" نفسه مفتوحاً على أكثر من احتمال. وتتراجع في هذه الأثناء مبادرات القوى الكبرى الرافعة للمشروع الأوروبي، التي تعد في الأصل هي السد الأخير الذي يصد طوفان الكارثة. أما الاستحقاق الثالث فهو سياسي، أو بكلمة أدق حزبي، حيث يتعين على الحزب الاشتراكي أن يكون له قائد جديد يستطيع استقطاب تأييد الأغلبية، ومحاورة الرأي العام، وقادر في الوقت نفسه على تجديد تقاليد الحزب السياسية بشكل جذري. وهذه الاستحقاقات أو الأولويات الثلاث، يقول الكاتب، يمكن اختصارها كلها في واحدة هي: قيادة البلاد للخروج بها من أزمة عميقة ذات أبعاد إنتاجية واجتماعية مقلقة. ولاشك أن المسألة ليست مجرد أداء أو خيار شخصي من قبل الرئيس، فبعد ميتران وأوهامه، وشيراك وعجزه، وساركوزي وعدم استقراره، مضى على فرنسا وقت طويل دون أن تواجه لحظة الحقيقة، بمعنى، أن تلاحق عالماً سريعاً، ولا ينفك عن التغير. ومن جانبها ناقشت أيضاً افتتاحية لصحيفة لوموند ما سمّته في عنوانها "لحظة الحقيقة بالنسبة لوهلاند"، مشيرة إلى أن الحكومة الجديدة ما زالت لم تستجب بعد لبواعث قلق الفرنسيين بشأن الحالة الاقتصادية والمالية، متسائلة إن كانت لدى الرئيس حقاً فكرة واضحة عن كيفية تحقيق التغيير الذي وعد به. هذا مع العلم أن مجرد التعبير عن النوايا والتطلعات لا يصنع سياسة فعالة، تماماً كما هي حال الحديث الفضفاض عن الخطوط العريضة لوجهة عامة للمستقبل. ومثلما يقال، فإن لكل حادث حديثاً، وقد أزفت الآن ساعة الحديث عن سياسات وتدابير محددة، لإخراج البلاد من مأزقها الاقتصادي الاجتماعي المزدوج. صحيح أن برنامجاًَ بهذا الحجم لا تكفي المئة يوم التي مرت لإنجازه، ولكن البدء في إنجازه لا يقتضي أيضاً خمس سنوات، فالفرنسيون ينتظرون إجابات على أسئلتهم ودواعي قلقهم الآن. إنها لحظة الاختيار إذن وقد حلت، ولنعتبر مر حتى الآن من الزمن وقتاً ضائعاً. محور باريس- برلين الكاتب بيير روسلين خصص افتتاحية في صحيفة لوفيغارو لرصد مؤشرات تقارب متنامٍ بين هولاند وميركل، بشأن كيفية احتواء الأزمة اليونانية وتداعياتها الأوروبية، وقد ظهر ذلك التقارب بشكل محسوس مساء الخميس الماضي، ويبدو أن هولاند قد فهم أخيراً أن العلاقات مع ألمانيا ليست آلية قابلة للتجيير والتوظيف لخدمة المواقف السياسية والحزبية الداخلية. وللتذكير فقد واظب طيلة حملته الانتخابية خلال الرئاسيات الأخيرة على رفع قفاز التحدي في وجه ميركل وتوجهاتها، لأغراض انتخابية، ربما أكثر من كون ذلك بالضرورة تعبيراً عن توجهاته الحقيقية. ومن المعروف عن ميركل صرامتها وصلابة موقفها حين يتعلق الأمر بالدعوة إلى سياسات التقشف الاقتصادي وشد الأحزمة سبيلاً للخروج من الأزمة، في مقابل مرونة هولاند ودعوته للاكتفاء بفرض ضرائب على الأغنياء وحدهم لتحفيز عودة النمو. ولكن خلال مأدبة مساء الخميس الماضي ببرلين بدأ هولاند يعطي إشارات واضحة على تعلمه واكتسابه قناعات جديدة. فقد بدا المسؤولان الأوروبيان الأهم وكأنهما قد وجدا أخيراً لغة موحدة تحدثا بها إلى اليونان، وهو ما كان مفقوداً طيلة الأشهر الماضية. وقد عبرت ميركل عن دعمها لبقاء اليونان في منطقة "اليورو". وذكّر هولاند أثينا بضرورة الوفاء بالتزاماتها. وبين هذين الخطابين تكامل لا تخطئه الملاحظة. وفي الأخير يذهب الكاتب إلى أن هذا المنعرج الإيجابي في تجاذبات محور باريس- برلين يمكن تفسيره بضغوط اللحظة على هولاند نفسه، وبداية تكيفه مع مقتضيات هذه الضغوط. تحدي الأزمة السورية صحيفة لوموند نشرت تحليلاً سياسياً ناقشت فيه مستقبل سوريا ما بعد الأسد، على رغم انسداد الأفق الراهن الذي تراوح فيه الأزمة في حالة تصعيد متواصل، دون أن يتمكن المجتمع الدولي من تجاوز انقسام القوى الكبرى المعيق في مجلس الأمن. وفي هذه الأثناء تسجل مع شروق شمس كل يوم جديد مجازر بحق المدنيين العزل، ويدك طيران النظام الأحياء السكنية على رؤوس سكانها، في مشاهد مثيرة للصدمة، مما يفرض على المجتمع الدولي "واجب الحماية". وعلى رغم ممانعة الغربيين في التدخل بدعوى أن الوضع معقد وأن سوريا ليست ليبيا، واستمرار الروس والصينيين في تبني موقف سلبي من أي تدخل، إلا أن ترك السوريين يتجرعون محنتهم وحدهم وراء أبواب مغلقة ليس خياراً بديلاً أيضاً. وقد تحركت الدبلوماسية الغربية أخيراً ممثلة في وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس الذي زار الأردن وليبيا وتركيا وأكد خلال جولته على رسالة واضحة مؤداها أن "على الرئيس السوري الرحيل". كما استقبل الرئيس هولاند خلال الأيام الماضية الأخضر الإبراهيمي المبعوث الدولي الجديد إلى سوريا، وكذلك استقبل وفداً من المجلس الوطني السوري، وهو التحالف الأهم للمعارضة السورية. وفي وقت ترأست فيه فرنسا مجلس الأمن طيلة هذا الشهر أعلن هولاند بصراحة أنه "لا يمكن إيجاد أي حل سياسي لا يتضمن رحيل الأسد". كما شجع المجلس الوطني السوري على تشكيل تجمع موحد جامع لكافة فعاليات وقوى المعارضة. وفي واشنطن حذر أوباما أيضاً بقوة نظام الأسد من أي استخدام للأسلحة الكيميائية ضد الثوار. وفي الأخير خلصت لوموند إلى أن على جميع الأطراف الدولية المعنية بمساعدة سوريا على تجاوز الأزمة وتحقيق تحول السلطة فيها استجابة لتطلعات الشعب السوري، أن تتبع الأقوال بالأفعال، لرسم ملامح المستقبل. ولا أحد يشك اليوم في أن أيام النظام السوري باتت معدودة، ولن يتأخر سقوط النظام كثيراً عن اللحظة التي يفقد فيها رئيسه الثقة في قدرة قواته على استعادة الأراضي التي يسيطر عليها الثوار. وعند ذلك يتعين مواكبة جهود المعارضة وتكثيف التواصل معها لمساعدتها على بناء حل سياسي، وأيضاً للتعرف عن كثب على القوى التي ستحكم سوريا الغد. إعداد: حسن ولد المختار