تحل اليوم، مناسبة اليوم العالمي للغذاء (yaD dooF dlroW) وهو اليوم الذي تستغله منظمة الغذاء والزراعة الفاو لتذكير العالم بمدى انتشار الجوع والفقر بين أفراد الشعوب والأمم· ويحل هذا اليوم هذه السنة، حاملا معه الكثير من الإحباط واليأس، إلى كل من يعنيهم دحر الفقر، وإلى كل من يسعون لملء بطون الأطفال الجياع في أصقاع الأرض المختلفة· فبعد مرور سبعة أعوام على الهدف الذي اتفقت عليه الدول المشاركة في قمة العالم للغذاء (timmuS dooF dlroW) عام 1966 ، والرامي إلى خفض عدد الجياع إلى النصف بحلول عام 2015 ، لم يتحقق تقدم يذكر يجعل من هذا الهدف غاية قريبة المنال.
فحسب تقديرات منظمة الفاو ، يوجد في العالم حاليا ما يقرب من 840 مليون إنسان يعانون من الجوع المزمن والدائم، منهم 800 مليون في الدول النامية وحدها· وعلى رغم أن أعداد جياع العالم تشهد انخفاضا مستمرا منذ قمة الغذاء، إلا أن هذا الانخفاض يحدث بمعدل مليونين ونصف فقط في العام الواحد· وهو ما يعني أن الجنس البشري سيحتاج إلى مئة عام كاملة، كي ينجح في تخفيض أعداد الجياع بين أفراده إلى النصف فقط· وهو ما يعني أيضا أنه بمثل هذا المعدل التافه، سيمكننا أن نحقق هذا الهدف بحلول عام 2115 وليس عام 2015 كما كان يأمل البعض· ويبدو حسب ما تم تحقيقه حتى الآن، أنه لن يفيد الكثير تكرار القمم والاجتماعات والاتفاقات في مساعدة 840 مليون جائع· ففي عام 2000 وضمن فاعليات قمة القرن )timmuS muinnelliM)، اتفق زعماء الدول على محاربة الفقر والجوع والمرض· وذلك من خلال وضع تلك الآفات البشرية في قلب جهود التنميـــــة من قبـــــل مختلف دول العالم، ضمن ما أصبح يعرف بأهداف التنمية للقــــرن القادم )slaoG tnempoleveD muinnelliM( ومع حلول يونيو من عام 2002 وأثناء اجتماعات زعماء العالم في روما مرة أخرى، تحت مظلة قمة العالم للغذاء الثانية والتي أتت بعد خمسة أعوام من القمة الأولى، أعاد هؤلاء الزعماء التأكيد على التزامهم مرة أخرى بمحاربة الجوع بجميع أشكاله وأنواعه· ولكن كما أصبح جليا الآن، لم تنجح هذه القمم وتلك الالتزامات والتعهدات في تحقيق الكثير· فبعد كل تلك الأعوام، وبعد كل المؤتمرات الصحفية التي عقدت على هامش تلك الاجتماعات، لم تمتلئ إلا بطون ما يقل عن 20 مليون إنسان، بينما لا زال 820 مليوناً آخرين يتضورون جوعاً ليلاً ونهاراً، دون أن تكون لديهم بارقة أمل في الحصول على هذا الحق الإنساني الأساسي في أي وقت قريب·
هذا الفشل الحكومي الرسمي في هزيمة الجوع، ليس نتاج تقاعس تلك الحكومات أو عدم رغبتها في إطعام أفراد شعوبها، وإنما دليل واضح على أن الجوع مشكلة معقدة متداخلة الأسباب والمظاهر لن تستطيع الحكومات وحدها حلها· وهي الحقيقة التي دفعت الفاو لاتخاذ شعار التحالف الدولي ضد الفقر كشعار لاحتفالات هذا العام· وتهدف المنظمة من هذا القرار إلى التأكيد على أن الجوع لن يمكن دحره، إلا بتعاون جهات مختلفة ومتعددة مع بعضها بعضا· مثل الحكومات ومنظماتها الرسمية والمنظمات غير الحكومية والمنظمات الدولية وأعضاء ومنظمات الوسط العلمي الأكاديمي والشركات الخاصة والجماعات الدينية، بالإضافة إلى المستهلكين ومنتجي الغذاء من الفلاحين وشركات البيوتكنولوجي المتعددة الجنسيات· هذا الطيف الممتد من المنظمات والأفراد، الذي تأمل المنظمة في جمعه غداً في باقة متنوعة تحت شعارها لهذا العام، يمكن أن يكون بالفعل قوة ضاربة في ما أصبحت (الفاو) تطلق عليه الحرب على الجوع )regnuh tsniaga raW(، على غرار حرب بوش وأعوانه على الإرهاب·
ولكن هذه الجهود المتضافرة والنوايا الحميدة، قد يفقدها فاعليتها ويقلل من جدواها، الجدل الدائر حول أفضل السبل وأقوى الأسلحة التي يمكن أن تستخدم في هذه الحرب المصيرية لمئات الملايين من البشر· ويمكننا هنا أن نقسم أطراف الجدل الدائر والمتوقع أن يستعر غدا حول أفضل السبل والطرق لمكافحة الجوع إلى فريقين· الفريق الأول وتنتمي إليه غالبية الدول النامية، يرى أن أفضل الطرق هو وقف الدول الغنية لدعمها الحكومي للقطاع الزراعي فيها· وهو حسب رأيهم ما سيزيد من الجدوى الاقتصادية للقطاع الزراعي في تلك الدول، وسيستقطب رؤوس الأموال والاستثمارات للقطاع، مما سيزيد من إنتاجيته ويوسع من رقعة الأرض الزراعية· فالواقع المؤسف حاليا أن الدعم المادي الذي تقدمه أوروبا والولايات المتحدة لقطاع الزراعة فيها، يجعل من أسعار المنتجات الزراعية المستوردة للدول الفقيرة أقل من سعر إنتاجها محلياً· وتدمير القطاع الزراعي في تلك الدول الفقيرة التي لا تحظى بقطاع صناعي أو تكنولوجي يذكر، يؤدي في النهاية إلى تخريب الاقتصاد برمته، مما يجعل سكان تلك الدول عاجزين عن شراء الأغذية المستوردة بغض النظر عن سعرها· وجهة النظر هذه كانت هي السبب وراء انهيار محادثات التجارة قبل فترة في مدينة كانكون المكسيكية، بسبب رفض ممثلي الدول الفقيرة الاستمرار في تلك المحادثات، إلى أن تتوقف الدول الغنية عن إنفاق المليارات من