من المعروف أن الدستور الأميركي أقر في عام 1878 ومازال نافذاً حتى اليوم، بعد أن أدخل عليه 24 تعديلاً. وهكذا أصبح الدستور الأميركي نموذجاً فهو قد عدل مبدئياً كل 5 سنوات مرة. ولكن الدستور اللبناني أوجد في صلبه آلية تعديله. وهكذا سهل التعديل وبالتالي احتمال التمديد لرئيس الجمهورية الحالي مدة ثلاث سنوات تنتهي في نوفمبر 2007.
وقد رحبت سوريا بقرار المجلس النيابي لاعتبارات عدة، منها: 1- تنفيذ قرار التسوية العربية للصراع العربي- الإسرائيلي، بعد أن تعقدت التسوية بسلوك أرييل شارون وممارساته في القتل والتدمير وإعادة احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة واحتلال الجولان السوري ومزارع شبعا اللبنانية، وببنائه ما يسمى بالجدار "الأمني". وقد سمي قرار التسوية هذا يوم ذاك بمشروع الأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي عهد المملكة العربية السعودية. وقد أيد جميع الملوك والرؤساء العرب ذلك المشروع الذي نص فيه- بناءً على طلب الرئيس اللبناني- على "ضمان رفض كل أشكال التوطين الفلسطيني الذي يتنافى والوضع الخاص في البلدان العربية المضيفة" بعد أن نص على "التوصّل إلى حل عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين يتفق عليه وفقاً لقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194". ويوم ذاك، أي في 28/3/2002، اعتبر الرئيس اللبناني أميل لحود بطل عودة اللاجئين وعدم توطينهم حيث هم. 2- المصداقية: فهو صديق لسوريا ويدعمها تجاه التهديدات الأميركية والإسرائيلية الكثيرة والمتنوعة، إضافة إلى دعم المقاومة العراقية وتجاه القضية الفلسطينية وتجاه السودان بسبب موقفه في إقليم دارفور من تشذيب للوطن العربي بضغط إمبريالي استعماري تمارسه واشنطن على مجلس الأمن. وقد اعتادت واشنطن هذا السلوك بمثل ما اعتاد شارون على ممارسات إعادة الاحتلال في الضفة الغربية وقطاع غزة. 3- إن الظروف الإقليمية تتطلب التمديد للرئيس اللبناني الحالي حتى يكون عوناً لسوريا على محاولة واشنطن عزلها عربياً وإسلامياً وبخاصة بعد أن تأزمت علاقاتها مع الأردن والعراق بسبب ما اتهمت به سوريا ظلماً من دعمها المقاومة العراقية 4- يعتبر الرئيس اللبناني الحالي من أنصار خيار السلام. وهو خيار وهدف استراتيجي للدول العربية لا تحيد عنه. 5- يسيطر الرئيس الحالي على الجيش اللبناني سيطرة كاملة بشكل يستطيع معه التأثير عليه وتكليفه بتحرير الأرض اللبنانية من الاحتلال الإسرائيلي.
وإذا كانت الولايات المتحدة تجاهر علناً بمساندة إسرائيل وحمايتها بشكل أعمى، وترفض "حق العودة" الذي كرسته الأمم المتحدة وجعلته الولايات المتحدة تفاوضياً في "خريطة الطريق" لتحل الصراع العربي- الإسرائيلي على حساب دول الجوار، أفليس من حق هذه الدول أن تواجه الحل الأميركي بالرفض، وأن تتمسك في الوقت نفسه بقرار قمة بيروت. وهل لبنان المنفصل سياسياً عن سوريا أفضل من لبنان الذي تسند ظهره سوريا.؟ وهل المسار اللبناني- الإسرائيلي منفصل عن المسار السوري- الإسرائيلي انفصالاً كاملاً أم أن الصلات بينهما أقوى من أن تقطع أو توصل؟ وهل نسي الشعب اللبناني الشقيق المآسي الكبيرة التي نجمت عن تدويل الأزمة اللبنانية في الماضي.؟.
لاشك في أن قرار مجلس الأمن ذا الرقم 1559 في 2/9/2004 يشبه فرض وصاية على لبنان وسوريا، ويعكس كل قرارات المجلس بشأن احتلال العراق أو رفض ذلك الاحتلال، سوى أن إسرائيل قد حققت بهذا القرار بعض الأهداف التي عجزت- حتى الآن- عن تحقيقها بفضل جهاد وصمود الشعب العربي الفلسطيني.
التمديد الذي رحبت به سوريا فرضته الضرورة باعتباره "أبغض الحلال". ويعني هذا أن الرئيس اللبناني سيعمل لإعادة الوحدة إلى جميع اللبنانيين، وإلى الحكم، وإلى أن يواجه التحدي الذي يطرحه قرار مجلس الأمن بمخالفته الفقرة 7 من المادة 2 من الميثاق، والتأكيد على أن المشكلة اللبنانية لا تشكل قط تهديداً للسلم والأمن الدوليين، وعلى أن العلاقات السورية اللبنانية تنظمها معاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق (22/5/1991) واتفاقية الدفاع والأمن (1/9/1991) المنبثقة منها ثم اتفاقات تنظيم العلاقات الاقتصادية (16/9/1993).
وهذه المعاهدة مستمدة من "وثيقة الوفاق الوطني" التي صدق عليها المجلس النيابي اللبناني في 5/11/1989 فجعلها دستوراً ونص فيها على إصلاحات سياسية مثل إلغاء الطائفية.