تختلف ظروف عقد السبعينيات من القرن العشرين عن ظروف اليوم، بيد أن المنهجية الاقتصادية والسياسية تؤمن بالتحليل التاريخي التراكمي. فخلال عقد السبعينيات اكتسبت منظمة أوبك أهميةً كبيرةً ومكانةً عالميةً في أسواق النفط العالمية، حيث كان إجمالي إنتاج الدول الأعضاء فيها يشكل حوالي 48% من إجمالي الإنتاج العالمي الذي كان يتراوح ما بين 50 إلى 65 مليون برميل في اليوم، ويغطي الطلب العالمي للنفط آنذاك. وكانت أوبك في بداية نشأتها تهدف إلى اختبار قوتها ووزنها في أسواق النفط العالمية. ومع بداية عقد الثمانينيات من القرن العشرين بدأ إنتاج أوبك بالانحدار السريع حيث وصل في أواسط عقد الثمانينيات إلى حوالي 18 مليون برميل في اليوم، في الوقت الذي كان إنتاج دول غير الأوبك من المنتجين يزداد بشكل كبيرٍ حيث وصل إلى حوالي 43 مليون برميل في اليوم. أي أن نسبة مساهمة أوبك في الإنتاج العالمي الفعلي قد انحدرت إلى حوالي 29% فقط في أواسط الثمانينيات من القرن العشرين. إلا أن إنتاج أوبك قد بدأ يسترجع عافيته ويتحسن منذ أواسط الثمانينيات وبشكل تدريجي حتى وصل اليوم إلى حوالي 28 - 30 مليون برميل في اليوم. ورغم أن هذا الحجم من الإنتاج الحالي يعادل ذات الحجم من إنتاج أوبك خلال عقد السبعينيات من القرن العشرين، إلا أن نسبة مساهمة أوبك من إجمالي إنتاج النفط العالمي، البالغ حوالي 82 مليون برميل يومياً، والذي ينمو بمعدل يصل إلى حوالي 2% سنوياً، قد انحدرت حيث تقدر اليوم بحوالي 37%. والحقيقة إن الإنتاج الفعلي لأوبك يتكيف مع تقلبات أسعار النفط في الأسواق العالمية، حيث تلعب أوبك منذ نشأتها دور صمام الأمان في أسواق النفط العالمية، وذلك نظراً لقدرتها العالية في التأثير على العرض الفعلي للنفط في الأسواق العالمية. ورغم انخفاض الأهمية النسبية العالمية لأوبك من حيث حجم الإنتاج الفعلي إلا أن أهميتها النسبية تزداد من حيث حجم الاحتياطيات المؤكدة من النفط الخام. حيث يقدر إجمالي احتياطيات الدول الأعضاء في أوبك بحوالي 79% من إجمالي الاحتياطيات العالمية للنفط الخام والتي تقدر بحوالي واحد تريليون و75 مليار برميل. كما أن بعض أعضاء أوبك لديهم خطط مستقبلية لزيادة الطاقة التصميمية لإنتاج النفط الخام، وأن ذلك من شأنه أن يرفع مرونة الجهاز الإنتاجي لأوبك ويعطي المنظمة ثقلاً أكبر وأهميةً استراتيجيةً أكبر في التحكم في عرض النفط في الأسواق العالمية.
واليوم يقدر إنتاج الشرق الأوسط من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط الخام بحوالي 29%، في حين يصل إنتاج أميركا الشمالية إلى حوالي 20%، وأوروبا الشرقية حوالي 12%، والشرق الأدنى حوالي 11%، وأفريقيا حوالي 10%، وأوروبا الغربية حوالي 9%، وأميركا الوسطى وأميركا الجنوبية معاً حوالي 9%. ورغم تراجع الأهمية النسبية لدول أوبك من حيث حجم الإنتاج الفعلي إلا أن الأهمية النسبية للشرق الأوسط تبقى متميزة عالمياً، وذلك لأن كبار المنتجين الأعضاء في أوبك هم من الشرق الأوسط.
وبالنسبة لجانب الاستهلاك، نجد أن الولايات المتحدة الأميركية تستهلك حوالي 20 مليون برميل من النفط يومياً، وهو ما يعادل 25% من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط الخام. في حين يبلغ حجم إنتاجها اليومي من النفط حوالي 9 ملايين برميل، أي ما يعادل 45% من حجم استهلاكها اليومي. وتستورد حوالي 11 مليون برميل في اليوم، أي ما يعادل 55% من حجم استهلاكها اليومي، وحوالي 14% من إجمالي الإنتاج العالمي للنفط الخام. أي أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر أكبر مستهلك للنفط وأكبر مستورد له على مستوى العالم. ومن هنا تنبع الأهمية الاستراتيجية لهذه السلعة في كافة الحسابات الأميركية وعلى كافة الأصعدة والمستويات. ثم تليها في الترتيب اليابان والتي تستهلك يومياً حوالي 5.4 مليون برميل كلها مستوردة. ثم الصين التي يقدر حجم استهلاكها اليومي من النفط بحوالي 4.9 مليون برميل. إلا أن الصين تنتج حوالي 3.3 مليون برميل في اليوم، أي أكثر من 67% من حجم استهلاكها. ومع دخول الصين إلى منظمة التجارة العالمية وزيادة مستوى انفتاحها للعالم الخارجي فإن ذلك سوف يؤدي حتماً إلى زيادة معدل استهلاكها من النفط في كافة القطاعات الاقتصادية، حيث أن تحرير التجارة سوف يؤدي بدوره إلى حدوث تغيرات هيكليةٍ في الصين، مثل تغير أنماط الاستهلاك وتغير الفنون الإنتاجية من تلك التي تعتمد على كثافة العمل إلى نظيرتها التي تعتمد على كثافة رأس المال والتكنولوجيا، كما أن الدور الحكومي في بناء وصيانة وتحديث البنية الأساسية والمرافق العامة سوف يزداد هو الآخر وأن تفاعل كافة هذه المتغيرات يؤدي إلى زيادة الطلب على الطاقة. ثم تليها ألمانيا حيث يقدر استهلاكها اليومي من النفط بحوالي 2.8 مليون برميل كله تقريباً مستورد، حيث إن إنتاجها من النفط الخام لا يتعدى 0.35% من حجم استهلاكها. ثم روسيا التي يقدر استهلاكها اليومي من النفط بحوالي 2.5 مليون برميل. إلا أن روسيا تحتل المركز الثالث من بين أكبر