تتمثل العقبة الأساسية لعملية السلام في الشرق الأوسط في إصرار الزعماء الإسرائيليين على تجريد الشعب الفلسطيني من أراضيه وممتلكاته، ورفضهم لتحمل مسؤولية المأساة التي سببوها له. كما أن دعم واشنطن المستمر للسياسات الإسرائيلية التوسعية يعرقل بدوره الوصول إلى حل عادل للصراع، كما يزيد نار السخط العربي عليها اشتعالا. والتقرير الذي نشرته لجنة التحقيق في وقائع الحادي عشر من سبتمبر لم يكلف نفسه عناء النظر في تلك الافتراضات المقبولة على نطاق واسع. ويمكن تلخيص المحصلة النهائية التي توصلت إليها اللجنة، في الرسالة التالية والموجهة إلى العالمين العربي والإسلامي، والتي تتسم بدرجة كبيرة من قصر النظر غير المبرر: ليس هناك خطأ في سياستنا... الخطأ يقع عليكم.
وتوصيات اللجنة التي وردت في 38 صفحة كاملة، لم تتضمن ولا حتى دليلا واحداً على تحلي أعضاء اللجنة بالشجاعة السياسية اللازمة للإجابة على السؤال غير المرغوب فيه سياسياً والمتعلق بما إذا كان الدعم الأميركي غير المشروط لإسرائيل هو الذي يحقق المصالح الأميركية على الوجه الأكمل؟
وتعرِّف اللجنة العدو بأنه يتمثل في (التهديد الذي يشكله الإرهاب الإسلامي). وهي تحدد أسباب ذلك التهديد من خلال إشارات عابرة إلى الشكاوى التي يؤكد عليها "بن لادن"، والتي تعبر عنها قطاعات عريضة من المسلمين ضد الوجود العسكري الأميركي في الشرق الأوسط، وسياسات أميركا التي ينظر إليها على أنها معادية للعرب والمسلمين، وكذلك دعمها لإسرائيل.
وعن طريق تجميع الآراء المتطرفة لأشخاص مثل "بن لادن"، مع الشكاوي الشرعية تماماً للعرب والمسلمين من السياسات الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط، يقوم أعضاء اللجنة بالخلط بين الأسباب والنتائج، وتشويه السياق الذي يرد فيه التحقيق، وتشويه القيمة النسبية للأشياء، كما يظهرون افتقاراً واضحاً وباعثاً على الإحباط للشجاعة السياسية.
إن أعضاء اللجنة المذكورة يحددون "أن السخط العربي والإسلامي تجاه أميركا والغرب عميق..."، ولكنهم وبطريقة غير مفهومة يرجعون هذا السخط إلى غياب الديمقراطية، وتخلف العرب، وشعورهم بالدونية تجاه الغرب، دون أن يرد في التقرير أدنى تلميح إلى أن سبب هذا السخط الشديد تجاه أميركا يعود في الأساس إلى السياسات الأميركية في الشرق الأوسط.
والخلط بين الأسباب والنتائج الذي يمكننا تبينه في مواضع عديدة من تقرير تلك اللجنة كان محتماً أن يؤدي إلى اقتراحات متضاربة للعلاج. كقول اللجنة مثلا (على الأميركيين ألا يتوقعوا أن تتمكن حكومتهم من هزيمة الإرهاب في أي مكان في العالم) ثم عودتها لتقترح أن تقوم أميركا (بمحاربة الإرهابيين ومنظماتهم في كل مكان في العالم لاستئصال شأفتهم).
وعلاوة على ذلك فإن اللجنة، ونتيجة لإصرارها على إساءة فهم "الإرهاب" تقوم بتعريف العدو بطريقة خاطئة، وتقترح أن يتم شن حرب عالمية على ذلك "الإرهاب" تمتد تقريباً في جميع قارات العالم. وتخبط اللجنة لا ينتهي هنا: فهي في موضع تقول إن التعاطف الذي حظيت به الولايات المتحدة من شعوب العالم العربي- الإسلامي عقب وقوع أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد هبط بشكل رهيب، ومع ذلك لا تقوم بتعريف أسباب هذا الهبوط في شعبية أميركا، ولا بربطه بسياسة أميركا الخارجية في المنطقة، وخصوصاً الحرب التي شنتها ضد العراق.
تقترح اللجنة في أحد المواضع، تشجيع الحرية والديمقراطية، ثم تقدم هذه التوصية المعقولة: "يجب علينا أن نقدم نموذجاً للقيادة الأخلاقية في العالم وأن نلتزم بمعاملة الشعوب بطريقة إنسانية، وأن نلتزم بالقانون، ...".
ومع ذلك تظهر اللجنة قصوراً واضحاً ويدعو للدهشة في الحقيقة في تطبيق هذه المعايير على السياسة الأميركية الخارجية، ليس هذا فحسب بل إنها تؤكد أنه ليس هناك شيء خطأ في تلك السياسات.
إن اللجنة تبدو وكأنها تريد أن تقول لنا من خلال تقريرها إن كل ما يتطلبه الأمر أن تقوم أميركا ببيع سياستها الخارجية القديمة مع تغليفها في عبوات جديدة لكي تجعل المهانة والمذلة التي يعانيها العرب تحت الاحتلال الإسرائيلي والأميركي شيئاً مستساغاً.
إن عدم التحلي بالشجاعة السياسية ورفض الانخراط في أية عملية نقد ذاتي جادة، ورفض المسؤولية عن الأخطاء التي تقع، ووضعها على عاتق جهات أخرى، كلها وصفات لاستمرار الصراعات في المنطقة إلى ما لا نهاية، وهو ما كان يجب أن ينتبه له أعضاء تلك اللجنة.