في قرار تاريخي عيّن حزب "المؤتمر" الهندي الحاكم "راهول غاندي"( 42 عاماً) نائباً لرئيس الحزب؛ وهو ما يعني أنه سيصبح الثاني في سلسلة القيادة مباشرة بعد والدته "سونيا غاندي"، التي تشغل منصب رئيسة الحزب في الوقت الراهن. وبعد أن تسلم منصبه رسمياً دعا "راهول" في خطاب اتسم بغلبة النبرة الشخصية والعاطفية عليه، إلى إحداث تغيير في الطريقة التي تدار بها الهند، وأعلن في خطابه عن أجندة تغيير طموحة تهدف للتخلص من الأسلوب المركزي في الحزب، وتربية طبقة جديدة من القيادات، وبناء كوادر قوية للحزب، وإحلال ثقافة تقوم على مبدأ" إما أن تنجز، أو تخلي الطريق للآخرين" وعلى رغم أن "راهول غاندي، الذي ينتمي إلى الجيل الرابع من عائلة غاندي، كان هو القائد الفعلي للحزب خلال ما يزيد على عام خلا، نظراً لمعاناة والدته من نوبات متكررة من المشاكل الصحية، حتى بعد أن تلقت علاجاً في مستشفيات الولايات المتحدة الأميركية؛ فإن خطابه لم يترك لدى أي أحد شكاً في أن تغييراً جيلياً قد حدث في صفوف حزب "المؤتمر" الحاكم، وأن عائلة غاندي المنحدرة من سلالة غاندي ونهرو، التي منحت الهند ثلاثة رؤساء وزراء من قبل، ولعبت دوراً كبيراً في تاريخ الهند منذ ما قبل الاستقلال، وحتى الآن قد باتت مستعدة مرة أخرى لمواصلة تقليد العائلة، والاضطلاع بدور القيادة في الحزب ممثلاً في شخصية السياسي الشاب "راهول". و"راهول" الذي كان يطلق عليه لقب" الأمير المتمنع" بسب رفضه في السابق الانضمام لكل من الحكومة والحزب، برز باعتباره الوجه الممثل لحزب "المؤتمر"، وهو يتجه للانتخابات العامة المقررة في عام 2014. ويشار إلى أن المطالبة الملحة لـ"راهول"، بتولي منصب قيادي في صفوف الحزب قد استمرت لمدة طويلة؛ ولم تكن وليدة اللحظة الحالية، كما قد يتبادر لدى البعض خصوصاً خارج الهند. ويشار في هذا السياق إلى أن "راهول" قد التحق بصفوف الحزب منذ ثمانية أعوام، وأنه وسرعان ما عين أميناً عاماً للحزب، ومسؤولاً عن جناح الشباب عام2007. وخلال العامين الماضيين تحديداً ركز "راهول" على إعادة تنظيم ذلك الجناح، وجعله أكثر تماسكاً وفاعلية، كما قاد الحملة الانتخابية للحزب في ولاية أوتار براديش المهمة، وأن لم تتكلل جهوده بالنجاح، حيث منى الحزب بالهزيمة هناك، وهو ما أرجعه "راؤول" لضعف البنية التنظيمية للحزب في تلك الولاية، ووعد بإجراء الإصلاحات اللازمة. وكان "راهول"، قد قام خلال السنوات الأربع الماضية برفض تولي أي مناصب في الحكومة، على الرغم من الجهود المبذولة والطلبات المستمرة من قبل أعضاء الحزب الكبار لإقناعه بذلك. ومنذ شهرين فقط، وافق "راهول" على تولي قيادة لجنة الحملات بالحزب، استعداداً لخوض انتخابات عام 2014 البرلمانية. ولكن، ونظراً لأنه لم يعد باقياً الآن سوى عام على الانتخابات، فإنه كان هناك شعور سائد بأن القرار بتصعيده لمنصب قيادي في الحزب، لم يعد قابلاً للتأجيل أكثر من ذلك، خصوصاً وأن معظم القيادات الأخرى البارزة في الحزب من كبار السن. هناك آمال حقيقة داخل حزب "المؤتمر" الهندي تتمثل في أن "راهول" سيتمكن من قيادة الحزب لثالث انتصار على التوالي في الانتخابات العامة، وهو أمر يمكن قد يحدث في وقت قريب قد لا يتأخر عن ديسمبر من هذا العام، ولكن الاختبار الكبير له- كما يقول المحللون- هو أداؤه في الانتخابات، التي ستعقد في تسع ولاياته، من بينهما ولاية نيودلهي التي ستذهب لصناديق الاقتراع هذا العام- قبل الانتخابات العامة. ونظراً لحقيقة أن حزب المعارضة الرئيسي المنافس وهو حزب "بهاراتيا جاناتا" الهندوسي المتطرف، يعاني مشكلة في القيادة، حيث يتصارع عدد من قادته الكبار على من يتولى قيادة الحزب في الانتخابات القادمة، فإنه ليس هناك سوى شك ضئيل بشأن من سيكون الوجه الممثل للكونجرس في تلك الانتخابات. ولكن النقاد يشيرون مع ذلك إلى أنه من بين جميع التحديات التي تواجه "راهول"، وتواجه حزب "المؤتمر" ذلك التحدي الخاص بإثبات صلابة معدنه ومضاء عزمه في المعترك السياسي، ونجاحه في توضيح موقفه ورؤاه، بشأن طائفة من القضايا السياسية والاقتصادية المهمة، وهي النقاط التي يرى عدد كبير من المراقبين أنه يفتقر إليها. وهناك مشكلة أخرى يشير إليها كثيرون، وهي أن "راهول" يحيط نفسه بدائرة محكمة للغاية من المستشارين، الذين يعلمون على عزله ليس فقط عن وسائل الإعلام، وإنما عن القيادات المهمة داخل حزبه، ما يخلق صعوبة في التواصل معه. في الوقت ذاته يؤكد أنصاره على إيجابياته، ويقولون إن قد تمكن على مدى عدة سنوات من أحداث تغييرات مهمة في الحزب، منها على سبيل المثال لا الحصر أنه فتح الباب لدخول عدد من السياسيين الشبان إلى التيار السياسي الرئيسي، كما أن هناك علامات واضحة على أنه سينضج ويتحول تدريجياً إلى قائد سياسي جيد، لديه القدرة على مخاطبة الجماهير وعرض قضاياه وأفكاره بفصاحة، وأن احتكاكه بالعمل السياسي المباشر سيجعل منه شخصاً مختلفاً. في خطابه الأول كنائب رئيس للحزب، تحدث "راهول" بشكل عاطفي عن دموع أمه، وعلى الألم ونواحي المعاناة العديدة التي جلبتها السلطة على عائلته، في الوقت نفسه الذي دعا فيه إلى تغيير في الطريقة التي تحكم بها الهند. ويشار إلى أن والد راهول "راجيف غاندي"، وجدته" أنديرا غاندي" قد لقيا مصرعهما اغتيالاً. وقال هو عن ذلك في خطابه الأخير "لقد هنأني الجميع واحتضوني، لأني سأصبح نائباً لرئيس الحزب،ولكن أمي جاءت لغرفتي وجلست معي وانخرطت في البكاء. لماذا بكت؟ لأنها تدرك أن السلطة التي يسعى إليها العديد من الناس والعديد من السياسيين هي في حقيقة أمرها سم". كان هذا ما قاله راهول عن والدته سونيا غاندي رئيسة الحزب الإيطالية المولد، والتي تعتبر أقوى شخصية سياسية في الهند في الوقت الراهن.