الإمارات وأميركا... تصورات متبادلة
وضع الطلبة في جامعة نيويورك بأبوظبي، ضمن عملهم في دراسة الفجوة بين الغرب والشرق، استبياناً يوزع في الولايات المتحدة ودولة عربية، وذلك من أجل فهم أفضل لكيفية إدراك الشعوب في أميركا والعالم العربي لبعضها بعضاً، والطريقة التي ينظران بها إلى مجتمعاتهما، وفيما تم التركيز خلال السنة الماضية على التصورات المتبادلة بين الأميركيين والمصريين نعكف في هذه السنة على دارسة الكيفية التي يفهم بها الناس بعضهم بعضاً في كل من دولة الإمارات العربية المتحدة وأميركا. ومن الجدير بالذكر أن الاستبيان الذي أشرفت عليه شركة "جيزأنالتكس"، التي تتخذ من نيويورك مقراً لها، أبرز وجود فجوة في نظرة البلدين إلى بعضهما بعضاً. ولكن بداية وقبل الدخول في تفاصيل النتائج التي خرج بها استطلاع الرأي لابد أولاً من الإشارة إلى بعض الملاحظات التي يتعين أخذها في الحسبان. فمع أن الإمارات والولايات المتحدة يتوفران على نسبة عالية من استخدام الإنترنت بين السكان وسهولة الوصول إليها، إلا أن الشركة التي تجري الاستطلاعات من خلال الإنترنت تعرف أن مقاربتها سبق تجريبها في أميركا، متيحة بذلك معياراً دقيقاً لقياس الرأي العام الأميركي، ولكن هذا الأمر غير مجرب في الإمارات التي ربما تجرى فيها استطلاعات الرأي بوسيلة أخرى غير الإنترنت، ولذا فلسنا متأكدين من أن النتائج تعكس بدقة الرأي العام المحلي. وبالنظر إلى التركيبة السكانية لدولة الإمارات، حيث يشكل المواطنون نسبة تصل تقريباً إلى 20 في المئة من إجمالي السكان، فإن نتائج الاستطلاع المتعلقة بالبلد تمثل جميع السكان بمن فيهم المقيمون من غير الجنسية الإماراتية. ولكن حتى في ظل هذه الاعتبارات توفر نتائج الاستطلاع لمحة مفيدة لقياس تصورات المجتمعين معاً عن بعضهما بعضاً.
وفي التفاصيل يُظهر الاستطلاع أولاً أن سكان الإمارات يبدون مواقف إيجابية تجاه الولايات المتحدة (64 في المئة) فيما فقط 19 في المئة من الأميركيين قالوا إن لهم نظرة إيجابية إزاء الإمارات العربية المتحدة. وفيما أعرب 38 في المئة من الأميركيين عن رأي غير مناسب تجاه الإمارات أشار 43 في المئة منهم أنهم "غير متأكدين"، وبأنهم "لا يعرفون ما يكفي عن البلد". وفي نسق يكرر نفسه على مدار الاستطلاع أبدى الأميركيون من أصول إفريقية مواقف أكثر إيجابية تجاه الإمارات، مقارنة ببقية شرائح المجتمع الأميركي. في حين أن أغلبية النساء المستطلعة آراؤهن قالوا إنهن "غير متأكدات"، أو"لا يعرفن ما يكفي عن البلد"، دون أن يمنعهن ذلك من إبداء مواقف سلبية أحياناً تجاه بعض الثقافة والقيم السائدين في الإمارات وفي المجتمعات العربية عموماً. وفي الجانب الآخر يتفق 51 في المئة من سكان الإمارات على أن الولايات المتحدة هي حليف وصديق لدولة الإمارات العربية المتحدة، فيما لا يشعر بهذا الأمر من الأميركيين سوى 14 في المئة، هذا في الوقت الذي يصف فيه ثلث الأميركيين المستطلعة آراؤهم الإمارات بأنها "بلد لنا معها علاقات تجارية" مع إشارة 38 في المئة من الأميركيين إلى أنهم "ليسوا متأكدين" مما يقولون. وعندما سئل الطرفان في البلدين عن المجتمع "الأكثر احتراماً لحقوق الآخرين"، وفي أي مجتمع "يمكن الاستمتاع بالحياة" اختار 60 في المئة من الأميركيين المجتمع الأميركي فيما أغلبية سكان الإمارات اختارت المجتمع في الإمارات، وفي حين قال 64 في المئة من الأميركيين إنهم يشعرون بأن الولايات المتحدة "هي أكثر سخاء"، أكد في المقابل 57 في المئة من سكان الإمارات أنها هي الأكثر سخاء. غير أن هناك جوانب أخرى تبدو فيها مواقف الأميركيين أقل يقيناً، فعندما سئل الطرفان عن البلد "الأكثر عنفاً" قال 67 في المئة من سكان الإمارات إنها الولايات المتحدة، فيما حمل 39 في المئة من الأميركيين تصوراً خاطئاً عن الإمارات. وأيضاً أكد 75 في المئة من سكان الإمارات أن البلد "أكثر احتراماً للأسرة والتقاليد"، مقابل فقط 38 في المئة من الأميركيين قالوا الأمر نفسه عن أميركا.
والخلاصة أنه في الوقت الذي يُظهر فيه الأميركيون ثقة كبيرة فيما يعتقدونه عن أنفسهم من أنهم مجتمع أكثر سخاء، وأكثر احتراماً لحقوق الأفراد، إلا أنهم أقل ثقة بأنفسهم عندما يتعلق الأمر بالعنف واحترام الأسرة والتقاليد والدين والقيم. ولكن مسيرة الاختلاف والتباين بين الجانبين تتواصل عندما يطلب من الطرفين تحديد "أهم ملامح الحياة في مجتمعه" و"ماذا تتوقع من الحكومة؟" في هذا السياق أجاب 55 في المئة من الأميركيين أن الملمح الأساسي للمجتمع الأميركي هو "أن تحيا الحياة التي تختارها" في حين لم تحتل "الفرص الاقتصادية" سوى 13 في المئة، و"الحرية الدينية" 11 في المئة؛ أما في الإمارات العربية المتحدة، فقد اعتبر 40 في المئة من السكان المستطلعة آراؤهم أن "الفرص الاقتصادية" هي أهم ملمح يميز البلد على الإطلاق، متبوعاً بـ"حرية العيش كما يختار الإنسان" بنسبة 21 في المئة، و"احترام التعددية" بنسبة 14 في المئة. ولدى الإجابة عن السؤال المتعلق بالتوقعات من الحكومة قال 41 في المئة من الأميركيين إنهم يتوقعون من حكومتهم "حماية الحقوق والحريات" مع اختيار بين 16 و13 في المئة تطلعات أخرى، مثل "الحفاظ على السلامة الشخصية" و"توفير الخدمات الأساسية"، و"خلق الفرص الاقتصادية"، وعلى الجانب آخر يتوقع 31 في المئة من سكان الإمارات من الحكومة أن "تحافظ على سلامتهم"، متبوعة بنسبة 27 في المئة من الذين يتوقعون "حماية الحقوق والحريات" من الحكومة، فيما 22 في المئة أشاروا إلى "خلق الفرص الاقتصادية" باعتبارها أهم ما يتوقعونه من الجهات الحكومية.