صحراؤنا ليست نفطاً فقط
صحيح أن معظم أراضي الدولة تصنف وفق الاعتبارات الجغرافية على أنها صحارى قاحلة نظراً لندرة الغطاء النباتي وانتشار الكثبان الرملية والسبخات الملحية وعدم وجود أنهار، إلا أن صحراء الإمارات رغم قساوتها الظاهرية فإنها جادت على أبنائها بالنفط المكنون في أعماقها والذي يُعد أحد أعظم الثروات الطبيعية التي عرفتها البشرية، وأحدث نقلة كبرى في حياة أبناء المنطقة. وكأنها كافأتهم على تحملهم على مدى قرون شدتها وقسوتها.
وبالأمس أكد صاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله في تصريح له بمناسبة يوم البيئة الوطني تحت شعار «الصحراء تنبض بالحياة» أهمية دعم وإبراز الصحراء كمكون أساسي ارتبطت به حياة الإنسان في هذه الأرض وتعايش معها بمختلف الظروف وقال سموه «إن الصحراء هي المساحة الأكبر وجوداً في جغرافيتنا والعنصر الأعمق تأثيراً في تاريخنا الثقافي وحراكنا الاجتماعي والمكون الأكبر أثراً في اقتصادنا. فهي مصدر المياه ومستودع الثروات الطبيعية وحاضنة النباتات الرعوية والطبية، إنها دارنا وحياتنا وهويتنا ومستقبلنا، أرض تنبض بالحياة».
وأكد صاحب السمو رئيس الدولة ضرورة الاهتمام بالصحراء والإعلاء من مكانتها والحفاظ على مواردها وضمان استدامة تنميتها، وهذا جزء أساسي من المسؤولية الوطنية العامة بما يتطلب تضافر الجهود اتحادياً ومحلياً لتنمية البيئة الصحراوية بالحفاظ على توازنها البيئي وزيادة الاستثمار في مواردها بما يدعم الاقتصاد ويحمي البيئة ويحقق الرفاهية والصحة لمواطني الدولة والمقيمين بها.
بالأمس كانت الصحراء موطن البدو الذين يرتحلون فيها طلباً للماء والمرعى، تحملوا هجيرها ولظى حرها وغبارها في الصيف وزمهرير بردها وشدة ريحها في ليالي الشتاء. لكنهم أحبوها وأجلوها لأنها موطنهم، وذادوا عن ترابها وحموا جنباتها. فاستقر الكثير منهم في المدن التي أنشأها المغفور له بإذن الله تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، رحمه الله، للبدو بعد أن جادت الصحراء بالخيرات التي في باطنها، وفضّل هؤلاء العيش بالقرب من مراعيهم وواحات نخيلهم رافضين الانتقال إلى المدن وفاءً وتقديراً لأرض الصحراء التي ترعرع فيها آباؤهم وأجدادهم.
كما أن الصحراء اليوم هي المتنفس المفضل لأهل المدن الذين يهرعون إلى البراري والكثبان الرملية أوقات الإجازات طلباً للاستجمام والراحة والسكون بعيداً عن زحمة المدن وتلوثها وضجيجها. وللتخييم فيها متعة خاصة أيام الشتاء مع نقاء الأجواء بعد هطول الأمطار ونبات العشب الأخضر. ولصحراء الإمارات سحر يأسر القلوب ويقصده هواة التصوير وعشاق التأمل والسكينة. كما أن السياح الوافدين إلى الدولة يضعون زيارة المناطق الصحراوية ضمن أولويات برامجهم السياحية. وفي الآونة الأخيرة انتشرت الشركات التي تنظم الرحلات إلى البر وتقيم المخيمات وتنظم أنشطة القيادة على الكثبان الرملية وركوب الجمال والصيد بالصقور وتعرض نماذج لحياة البدو في الصحراء قديماً وسبل عيشهم وتفاعلهم مع البيئة.
تولي الدولة اليوم بالغ الاهتمام بالصحراء. فأنشأت العديد من أحزمة الغابات والمحميات وساهمت في المحافظة على الأصناف النادرة من الحيوانات والطيور الصحراوية مثل المها والغزال العربي وطائر الحبارى وأعادت إطلاقها في الصحراء من جديد بعد إكثارها. كما أنشأت مراكز للأبحاث الزراعية في المناطق الصحراوية وتعديل أصناف النباتات المقاومة لنقص المياه والجفاف، والمحافظة على التوازن البيئي وإصدار التشريعات والقوانين التي تحمي الصحراء من العبث وسوء الاستغلال.
إننا لا نحافظ على الصحراء لأن فيها الثروات الطبيعية، فصحراؤنا ليست نفطاً فقط، وإنما هي جزء أساسي من حياة الإنسان الإماراتي، فهي موطنه الذي استمد منه حياته وثقافته على مر السنين.