لا أعلم إذا ما كان قد تم تفعيل قانون وديمة أم لا، لكنه في كل الأحوال يعد تقدماً مهماً في مجال حقوق الأطفال وحمايتهم. لقد صار لدينا سند قانوني في إيقاف العنف ضد طفل يعتدي عليه والده بالضرب جهاراً نهاراً، وفي مكان عام، وهو مشهد يتكرر بشكل يومي مع الأسف. ولا يزال عدد من الدول العربية متخلفة لدرجة مفجعة في حقوق الطفل، فقد طالعتنا الأخبار بزواج طفلة تبلغ من العمر اثني عشر عاماً فقط في اليمن، بالضرورة هو الفقر قاتله الله. لكن أياً كان المبرر كيف نظر هذا الأب لهذه الطفلة؟ وكيف تجرَّد من إنسانيته وأبوته وزجّ بهذه الصغيرة في معمعة وانتحار علني بموافقة إجرامية مع سبق الإصرار والترصد؟ هل لا يزال البعض لا يعرف أننا في قرن لا يحترم إلا العقول المضيئة، ولا يقدر إلا أصحاب التقدير لحقوق غيرهم؟ أي جاهلية هذه التي تأتي لنا كل يوم بخبر مفجع كهذا؟ وإذا كان التعامل الفظ مع الطفل يصل لهذا المستوى من الإساءة وسوء التقدير، والضرب المهين، والتزويج القسري، كيف بالإمكان أن نتخيل مستقبلاً مشرقاً لأنه ما زال هناك من لا يعرف معنى الطفولة؟ أزعم أن سبباً مهماً لتراجع كثيرين اليوم هو الجيل الذي لم يجد تعاملاً إنسانياً يحترمه ويحترم عقله، فخرج لنا أناس طبيعيون ظاهرياً لكنهم مشوهون من الداخل، وهو ما نتج عنه أنهم تعاملوا بقسوة مع صغارهم مبررين أنهم تلقوا نفس المعاملة وها هم أشخاص أسوياء! وهم ليس لهم من الاستواء شيء، فهم مرضى وعنيفون ولا يدركون حقيقة الأمراض التي استوطنت عقولهم وسلوكياتهم. وجود قانون يحمي الأطفال مهم، وقد يكون أهم قانون على الإطلاق، لأنك بهذا توفر حماية للمستقبل، وتستثمر فيه طاقة بشرية هائلة، علينا فقط حسن توجيهها، وستكون هي الأرضية الصلبة، التي تؤسس لكل نجاحات المستقبل وما بعده. وبفضل القانون سيتوقف الكثير من العنف الموجه للطفل خاصة في المدرسة التي يمارس عدد ليس بالهيِّن من المعلمين عنفاً صعباً لا يشترط الضرب فقط بل حتى الصوت العالي والصراخ يعتبران عنفاً يولد انكساراً في نفسية الطفل الغضَّة والخصبة لاستقبال كل شيء مهما كان إيجابياً أو سلبياً. الأطفال أمانة، حيث إنهم مستقبل وحاضر جميل لا غنى عنه، هذا الإدراك هو الذي جعل الغرب يتقدم بثبات ويبدع وينتج أشخاصاً قادرين على اجتراح المستحيلات. فلغة التقدير التي يمارسها المعلم الغربي مع طلابه والوالدين الذين يقدسون أطفالهم ويعاملونهم كبشر، أنتجت مجتمعات منتجة تقدر العمل، والإنتاجية فيه مرتفعة وتتمتع بجودة عالية. مهم جداً أن يستوعب أولياء الأمور هذه الحقائق، وأن يدركوا أن تحطيم الطفل يعني استنزافاً لطاقات من شأنها أن تكون رافداً لتنمية مجتمع. هم ليسوا فلذات الأكباد فقط، هم مستقبل مضيء.. أو مظلم.. بحسب ما نقدمه لهم من حب واحترام وتقدير مطلق لإنسانيتهم.