في الثلاثين من يناير 2013، هاجمت الطائرات الحربية الإسرائيلية، أهدافاً غير محددة الهوية تابعة لنظام الأسد الذي تكتنفه المشكلات. ووفقاً لمصادر أميركية عليمة كان هدف الضربة قافلة تحمل شحنة من صواريخ إس أيه-17 سطح- جو روسية الصنع يعتقد أنها كانت متجهة لـ"حزب الله" اللبناني ذي الصلة الوثيقة بالنظام. وقالت تلك المصادر أيضاً، إن من المحتمل كذلك أن يكون هدف تلك الغارة ضرب منشآت لتصنيع الأسلحة الكيمياوية التي تخشى إسرائيل والدول المجاورة لسوريا من سقوطها في أيدي المتطرفين، سواء كانوا من ضمن القوى الموالية للنظام، أو من المجموعات المعارضة السورية الأكثر راديكالية -التي يعتقد أن بعضها ذو علاقة بتنظيم "القاعدة"- وهو أمر لو تحقق، يمكن أن يؤدي في الحالتين إلى تداعيات خطيرة. فبصرف النظر عن نواقص وعيوب النظام، فإن سيطرته التامة على الحدود الوطنية، وعلى القوات المسلحة الوطنية، مثلتا حتى الآن عاملاً مهماً من عوامل الاستقرار في تلك المنطقة الحساسة من العالم. والمشكلة أن الحرب الأهلية السورية تبدو في الوقت الراهن كما لو كانت قد وصلت إلى درجة بات من الصعب معها على أي طرف من الطرفين المتحاربين أن يحقق انتصاراً حاسماً على الطرف الآخر. فالنظام غير قادر على استعادة المناطق التي سيطرت عليها المعارضة في أنحاء مختلفة من سوريا، غير أنه يبقى مع ذلك قوياً إلى درجة تمكنه من الصمود أمام أي هجوم نهائي تشنه عليه قوى المعارضة بهدف إطاحته. وفي هذه المرحلة من مراحل الجمود السياسي، يمكن لكافة أنواع التطورات الخطيرة أن تحدث؛ بما في ذلك تعزيز قوى المعارضة الراديكالية، أو اتخاذ قرار من النظام بتصعيد الصراع إلى مستوى الصراع الإقليمي، من خلال استفزاز قوى خارجية، يمكن أن تكون إسرائيل من ضمنها. وقرار مثل هذا ستترتب عليه تداعيات خطيرة بالطبع. فالقوى الخارجية بما في ذلك تركيا، وروسيا والغرب، وإسرائيل، بصرف النظر عن الخلافات القائمة بينها، لا تريد أن ترى المزيد من القلاقل والفوضى التي تنشرها العصابات المسلحة المزودة بالأسلحة الكيماوية، والتي يحتمل أن تنشئ ملاذات لها في جبال سوريا. فمثل هذا الاحتمال لو تحقق في الواقع، سيؤدي إلى زيادة احتمال التصعيد العسكري على المستوى الإقليمي - كما سبقت الإشارة- ويمكن أن يؤدي -على الأقل- إلى زيادة تدفق اللاجئين من سوريا على الدول المجاورة، وهو ما من شأنه أن يضيف عشرات الآلاف من اللاجئين إلى أولئك الذين فروا سابقاً من سوريا، إلى لبنان، وتركيا والأردن، والعراق. أما الروس، وبعيداً تماماً عن الأجندة الأمنية الإقليمية، فلديهم أسبابهم الخاصة التي تجعلهم يشعرون بالقلق على سلامة الجالية الروسية الكبيرة في سوريا إذا ما سقط النظام. وعلى نفس المنوال، نجد إيران خائفة من فقدان نفوذها ووضعها الخاص في سوريا إذا ما سقط النظام، وقالت ضمناً إنها لن تتردد في تقديم العون العسكري المباشر له إذا ما قامت إسرائيل بشن هجوم كبير على سوريا. والحقيقة أن الإيرانيين يتطلعون لجعل أي هجوم على سوريا يبدو كما لو كان هجوماً على العالم الإسلامي، بحيث يكون دفاعهم عن النظام في هذه الحالة دفاعاً على ذلك العالم بأسره. ويؤكد ذلك ما صرح به مستشار الأمن القومي الإيراني أثناء زيارة قام بها مؤخراً للعاصمة السورية دمشق، عندما قال "إن سوريا تقف في الخطوط الأمامية للعالم الإسلامي ضد العدو الصهيوني، ويجب على العالم الإسلامي أن يرد الرد المناسب على العدوان الإسرائيلي". ويمكن لأية حوادث مفاجئة أن تتحول لعوامل تؤدي لـ"تغيير قواعد اللعبة"، ومن ثم تحديد مسار الصراع والمنطقة برمتها. فإسرائيل، وعلى رغم كونها تشعر بالقلق الشديد حيال تصرفات النظام، تشعر بنفس الدرجة من القلق حول أمن خط الهدنة الشمالي مع سوريا عند هضبة الجولان المحتلة. وفيما تقلص قوات النظام من حجم الوحدات التي تنشرها على خط هضبة الجولان، ينتاب الخوف إسرائيل من أن تسيطر المجموعات "الجهادية" على تلك المنطقة تماماً، كما حدث في شبه جزيرة سيناء، عندما انخفضت فيها قدرة الجيش المصري على مراقبة الحدود بشكل كبير. ونتيجة لذلك تعمل إسرائيل على تعزيز منظومة الأسوار الحدودية في الجولان، بالتوازي مع الجهود التي تبذلها من أجل تحقيق نفس الهدف (تعزيز منظومة الأسوار) في سيناء. ولاشك أن قيام النظام -عمداً- باستفزاز إسرائيل، ودفعها لشن هجوم على الجولان سيكون علامة واضحة على اليأس، لأنه لن يكون قادراً على كسب الصراع الذي سيترتب على ذلك، كما أن الصراع وتداعياته سيشكل خطورة بالغة على "حزب الله" اللبناني المتحالف معه. وعلى رغم أن إسرائيل ستعاني بالطبع نتيجة لإطلاق الصواريخ عليها من سوريا ومن جنوب لبنان، إلا أنها ستتمكن في نهاية المطاف من حشد قوة النيران الكافية -التي تعتبر العامل الحاسم في تقرير مصير أي قتال- بما لا يتوافر للنظام السوري مثله، على نحو يلحق بهذا النظام- و"حزب الله" بالتبعية- خسائر جسيمة. ولكل هذه الأسباب، يمكننا القول إن من بين أوائل المهام التي سيضطلع بها وزير الخارجية الاميركي الجديد كيري الذي تولى مهام منصبه خلفاً لهيلاري، تلك الخاصة بالانخراط مع كافة الأطراف الفاعلة في الصراع لمحاولة منع تلك السيناريوهات الخطرة من التبلور على أرض الواقع. فبالإضافة للحوار الوثيق مع إسرائيل، من الضروري أن يعمل كيري على تحسين العلاقات مع روسيا، وضمان أن تركيا ستبقى في مثل تلك الظروف حليفاً رئيسياً للغرب، وأن يضغط على مصر لحثها على العمل من أجل المحافظة على اتفاقية السلام مع إسرائيل، وأن يقوم بالإضافة إلى ذلك، بتقديم دعم معنوي وعملي لملك الأردن.