من يستحق أن يصبح مواطناً أميركياً؟ إنه سؤال يحاول أوباما والكونجرس حالياً الإجابة عليه. ولكنه أيضاً سؤال نتصارع معه نحن الأميركيين منذ الأيام الأولى لنشأة بلدنا. وقد كان لدى الآباء المؤسسين جواب واضح: إن الأشخاص الذين هاجروا وأمضوا سنوات في بناء حياتهم في هذا البلد يستحقون الجنسية. كما كان الآباء المؤسسون واعين جداً بأن جعل المهاجرين الجدد ينتظرون الجنسية لوقت طويل، إنما يحرمهم من الحقوق نفسها التي كان الأميركيون قد حاربوا البريطانيين للتو من أجلها. والحال أن نظام التأشيرة المعقد المعمول به اليوم، ووقت الانتظار الطويل الذي يمتد بالنسبة للعديد من الناس من 10 سنوات إلى أكثر من 20 سنة، يبتعد كل البعد عن هذه الجذور. فخلال القرن الثامن عشر، لم يكن ثمة أي مهاجرين غير شرعيين في الولايات المتحدة، غير أنه كانت ثمة مجموعة كبيرة من الأشخاص الذين كانوا يطرحون تهديداً أكبر بكثير من أولئك الذين يخرقون مدة الإقامة المنصوص عليها في تأشيراتهم أو يعبرون الحدود دون تفتيش. إنهم "أنصار البريطانيين"، وهم رجال حملوا السلاح ضد الثوار الأميركيين، وجازفوا بحياتهم من أجل إضعاف أساس اتحادنا. والواقع أن ما كان يقوم به "الأنصار" قبل التأسيس لا يمكن وصفه بالنموذجي، ومع ذلك فقد سعوا وراء الجنسية بعد تأسيس البلاد. وقد كانوا وعائلاتهم يشكلون نحو 20 في المئة من مجموع السكان، كما أن معظمهم مكث في البلاد بعد استسلامهم، على رغم مشاعر العداء وأعمال العنف التي كانت ترتكب ضدهم من حين لآخر. وفي 1805 نظرت المحكمة العليا في أول قضية سابقة قانونية بخصوص ما إن كان يمكن لأفراد من هؤلاء المجموعة أن يُعتبروا مواطنين. ووجدت المحكمة أنه نظراً لأن "الأنصار" السابقين بقوا في البلاد في الوقت الذي كانت فيه الولايات تناقش وتصادق على الدستور، فإنهم مؤهلون للحصول على الجنسية. وقد أظهر ذلك إضافة إلى قرارات لاحقة كيف كانت البلاد تقوم، مع مرور الوقت، بإعمال العقل وتوافق على خلق المواطنة - بل وحتى السماح بالعفو عن الخطيئة الأصلية المتمثلة في حمل السلاح ضد قيام الدولة الأميركية. وقد خلقت قرارات المحكمة صيغة مؤقتة: الوقت + الإقامة + الأخلاق الجيدة = الجنسية. كما فرضنا فترة انتظار تجريبية على كل شخص يرغب في أن يصبح مواطناً. ولفترة كبيرة من تاريخنا، ظلت تلك الفترة ثابتة عند خمس سنوات. غير أن القوائم الطويلة اليوم في نظام الهجرة قامت عملياً بإعادة مدد انتظار طويلة، مثل تلك التي ندد بها الآباء المؤسسون، أو ربما تكون أطول. وإذا كان الكونجرس الأول قد اضطر لحماية ديمقراطيتنا الفتية والهشة آنذاك من الملكيين والأشخاص المنتمين إلى أنظمة غير ليبرالية، فإن مشرِّعي اليوم يخشون أن يقوم المهاجرون بأخذ الوظائف الأميركية وخرق قوانين الهجرة. واليوم مثل الأمس، يرد البعض على ذلك بالدعوة إلى فترات تجريبية طويلة جداً أو حتى منح وضع "عامل ضيف" دائم، وهو وضع لن يكافئ أبداً الخدمة بالجنسية. ولكن في نهاية المطاف، أدرك الآباء المؤسسون أنه يتعين عليهم تجنب إعادة خلق الظروف التي دفعت بنا إلى التمرد على البريطانيين أصلاً: الضرائب دون تمثيل. كما جادل توماس جيفرسون، الرئيس الثالث للولايات المتحدة والمحرر الرئيسي لـ"إعلان الاستقلال"، بشدة ضد خلق طبقة من أنصاف المواطنين لا تملك صوتاً سياسياً، وأقنع زملاءه المتوجسين بتبني فترة تجريبية قصيرة نسبياً. وبالنسبة للآباء المؤسسين، ستتطلب دعوة أوباما إلى مكافأة الناس على "احترام القوانين" منحَ الجنسية للمهاجرين المقيمين في الولايات المتحدة الذين استثمروا حياتهم ومشاعرهم في هذه الأرض، بدلاً من معاقبتهم بغرامات وانتظار وضع قانوني لوقت طويل. ويمكن القول هنا إن إدارة أوباما عززت تطبيق قوانين الهجرة أكثر من إدارة بوش، حيث حققت معظم الأهداف المرسومة في مشروع قانون الهجرة لـ2007. وعلى رغم ذلك، فإننا نجد أننا ما زلنا بعيدين عن العيش في بلد أشخاص متساوين سياسياً. والواقع أنه يتعين على نظامنا أن يقدِّر وقت مهاجري اليوم، تماماً مثلما كان وقت أسلافنا محل تقدير. وهذا ينبغي أن ينطبق على الجميع -ليس العمال الزراعيين أو الطلبة أو أفراد الجيش فحسب، وإنما الأشخاص الذين يصنعون اللحوم، أو يدرسون في الجامعات، أو يعملون لحساب شركات صغيرة، أو يعتنون بالأطفال أيضاً. واليوم، نحن نعيش في ديمقراطية قوية، وليس في جمهورية فتية وهشة. ومع ذلك، فإن الكثير من الناس يخشون أن يؤدي منح الجنسية لعمال غير شرعيين أو عمال مؤقتين عاشوا هنا لسنوات إلى تمييع قوانيننا الخاصة بالهجرة. غير أننا قد نتعلم من مثال آبائنا المؤسسين، الذي تغلبوا على خوف أكبر بكثير عندما منحوا الجنسية لـ"الأنصار" السابقين وخلقوا قوانين لتجنيس المهاجرين الجدد. فالناس يصبحون مواطنين، عندما يمضون سنوات في بناء حياتهم في هذا البلد؛ وحرمانهم من الجنسية أو بيع الوضع القانوني فقط لمن يستطيعون تحمل رسوم مرتفعة ونفقات قانونية لا يجعل مراقبة الحدود وقوانين الهجرة أقوى، بل يجعلها مجحفة وجائرة. إليزابيث كوهن كاتبة وأكاديمية أميركية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»