التمدد الصيني … مخاوف هندية
تتوافر الهند على أكبر اقتصاد في منطقة جنوب آسيا، بالإضافة إلى نفوذ سياسي كبير في محيطها يجعلها قادرة على تحريك عدد من الخيوط في البلدان المجاورة، لكن خلال الآونة الأخيرة بدأت الهند في إبداء توجسها من النفوذ المتنامي للصين في المنطقة ومزاحمتها للهند في باحتها الخلفية، لا سيما في بلدان مثل المالديف ونيبال وسريلانكا.
وقد وصل التخوف الهندي من التمدد الصيني في جوارها إلى درجة أطلق محللو السياسة الخارجية الهندية اسم «عقد اللؤلؤ» على محاولات الصين تطويق الهند بتكريس نفوذها في عدد من البلدان المحيطة بالهند وسعيها إلى تمتين علاقتها مع تلك البلدان بدءاً من سريلانكا في الجنوب، وليس انتهاء بباكستان في الشمال.
والحقيقة أن سبب هذا القلق الهندي من التمدد الصيني هو الحضور المتصاعد لشركات الاتصالات الصينية في نيبال والمالديف التي ما زالت تتمتع فيها الهند بوجود قوي وعلاقات متينة مع الطبقة السياسية. فقد أعلنت الصين مؤخراً عن منح المالديف قرضاً تصل قيمته إلى 57 مليون دولار لتطوير مشروع البنية التحتية التكنولوجية، وفيما وقعت فيه الصين اتفاقاً مع شركة الاتصالات النيبالية لإقامة شبكة جديدة في البلاد وتطوير البنية التحتية، لم تنظر الهند بعين الرضى تجاه هذه التحرك، لا سيما المؤسسة الأمنية الهندية المتخوفة من توسيع الصين لشبكة اتصالاتها بالقرب من الهند ووصولها إلى دول مجاورة تستطيع من خلالها الصين رصد المكالمات التليفونية والتجسس عليها، بل تسعى الصين إلى دخول السوق الهندية نفسها مستغلة في ذلك الإقبال الكبير على الهواتف النقالة التي تغطي نصف سكان الهند تقريباً.
ورغم أن الهند والصين تملكان أحد أسرع الاقتصادات نمواً في العالم، متجاوزتان بذلك معدلات النمو الاقتصادي في الولايات المتحدة وأوروبا، فانهما تنافسان بعضهما البعض في الإقليم، كما أن انشغال الهند بتمدد شركات الاتصالات الصينية وغزوها لأسواق جديدة قريبة من الهند لا يقتصر على نيودلهي، بل يمتد أيضاً إلى الولايات المتحدة التي عبرت هي الأخرى عن انشغالها، فقد أثارت لجنة تابعة للكونجرس الأميركي في العام الماضي مخاوف مماثلة بشأن احتمال تجسس الصين بواسطة معداتها المتقدمة على الاتصالات الأميركية في آسيا، لا سيما إذا استخدمت المعدات الصينية في شبكات الاتصال الأميركية المنتشرة في المنطقة، وبالطبع رفض الجانب الصيني الاتهامات التي وجهتها الهند والغرب باعتبارها محاولة أميركية لمنع دخول المعدات الصينية إلى أسواقها كنوع من الحمائية التجارية الهدف منها منع المنتجات الصينية ذات الكلفة المنخفضة من منافسة نظيرتها الأميركية الغالية.
وكانت الهند قد اتجهت في المسار نفسه خلال عامي 2009 و2010 بمنع الشركات التابعة للدولة من استخدام معدات صينية في مجال الاتصالات خوفاً من اختراق شبكاتها والتجسس عليها، لكنها تركت الباب مفتوحاً أمام الشركات الهندية الخاصة للتعامل الحر مع نظيرتها الصينية والاعتماد على معداتها، واكتفت الحكومة الهندية بمراقبة التمدد الصيني داخل الأسواق القريبة وعدم التساهل أمام الاختراق الكبير للدول المحيطة.
وبالنسبة للهند، يأتي هذا القلق من غزو الشركات الصينية للبلدان المجاورة والسيطرة على أسواقها في ظل التوتر الذي طغى مؤخراً على العلاقات الهندية مع المالديف ونيبال، فرغم النفوذ الهندي المتواصل في المالديف تراجعت متانة الصلات بين البلدين عندما أنهت الحكومة المالديفية عقداً أبرمته مع إحدى الشركات الهندية لتطوير مطارها الدولي بمبلغ قيمته 500 مليون دولار، بل إن البعض في الهند ذهب إلى أن الصين لها يد في ذلك.
ومنذ ذلك الوقت والهند تتشدد في إصدار تأشيرات للمواطنين المالديفيين الراغبين في دخول الهند، فيما سعت الصين من جانبها للدخول على الخط من خلال توثيق علاقاتها مع المالديف ومدها ببعض المساعدات المالية والقروض الميسرة والتعاون في مجالات متعددة.
وفيما يتعلق بالعلاقات الهندية- النيبالية، فرغم خلوها من مشاكل جوهرية، إلا أن العلاقات لم تشهد تطويراً وقفزة نوعية منذ فترة طويلة ليعتريها الجمود والتكلس، والسبب ربما راجع إلى المشاكل السياسية الداخلية التي تعيش نيبال على وقعها وتأجيل الانتخابات بسبب الصراعات الحزبية والسياسية بين الأطراف المختلفة، ليتوج ذلك كله بحل البرلمان في نيبال خلال شهر مايو الماضي بعدما فشل في مهمة صياغة دستور جديد للبلاد بسبب الاختلافات السياسية الحادة بين الأحزاب والنخبة الحاكمة، وهو الأمر الذي انعكس سلباً على الاقتصاد والظروف المعيشية للسكان، هذا في الوقت الذي لم توفر فيه الأحزاب النيبالية الراديكالية ذات التوجه «الماوي» تحميل الهند مشاكلها بحثاً عن نقاط تسجلها تلك الأحزاب في الساحة الداخلية.
ولعل هذا السياق المضطرب سياسياً واقتصادياً ما دفع الهند إلى إبداء تخوفها من الاختراق الصيني للجوار الإقليمي، فليس هناك شك أن الصين والهند تنظران إلى بعضهما البعض في إطار التنافس الاقتصادي.
ورغم تنامي التجارة بين البلدين في السنوات الأخيرة تظل العلاقات السياسية والدفاعية مليئة بالتشاحن، لا سيما فيما يتعلق بالتوتر الناشئ بين البلدين بسبب النزاع الحدودي، بحيث تسعى الصين إلى حيازة مناطق بوذية داخل ولاية «أروناشال براديتش» في الشمال الشرقي للهند.
ورغم التوافق الحاصل بين البلدين على عدم إزعاج السكان في الولاية بأي تغييرات حدودية والحفاظ على السلم الأهلي في الولاية، لم تتوقف الصين عن المطالبة بالجيب البوذي المعروف باسم «تاوانج» بالولاية.
وبالنظر إلى مشاعر عدم الثقة السائدة بين البلدين ستواصل الهند مراقبة التمدد الصيني في جنوب آسيا بعين الشك والريبة، ذلك أن بكين لا تكتفي باستعراض عضلاتها في المالديف ونيبال، بل تمتد إلى دول أخرى في جنوب آسيا، فهي تبني ميناء ضخماً في سريلانكا ووعدت بتقديم قروض مهمة للبلد الخارج لتوه من حرب أهلية مدمرة، كما أن الصين تربطها علاقات متميزة مع باكستان التي تنشئ فيها الموانئ والطرق والسكك الحديد، لا سيما في منطقة كشمير الباكستانية التي تعتبرها الهند جزءاً من أراضيها.